lundi 28 juin 2010

لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) الرعد ..الأعمار والأرزاق والأعمال الكتاب والقرآن




لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) الرعد ..الأعمار والأرزاق والأعمال الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة د شحرور












لقد ظن الكثير أن عمر الإنسان ورزقه وعمله مكتوب عليه سلفا، والمكتوب جاءت بمعنى المقدر عليه سلفا، وبذلك يصبح الإنسان فاقد الإرادة والخيار له في أعماله وأرزاقه ويصبح الطب والعلاج والعمليات الجراحية بدون معنى وكذلك يصبح دعاء الإنسان لله تعالى ضربا من ضروب العبث واللهو.

أما رأي القرآن فهو غير ذلك، ففي بحثنا عن القرآن والكتاب عرفنا أن فعل “كتب” تعني تجميع الأشياء بعضها إلى بعض لإخراج موضوع معين محدد. ومن هنا جاءت كلمة الكتاب وهو مجموعة المواضيع التي جاءت إلى محمد صلى الله عليه وسلم وحيا، والتي جمع فيها نبوته ورسالته معاً.



فعندما تأتي لفظة “كتاب” في مواضيع أم الكتاب كقوله: 

 {كتب عليكم الصيام} (البقرة 183).

فهذا يعني أن الصوم هو أحد المواضيع التعبدية التي فرضها الله عليكم كما فرضها على الذين من قبلكم، وقوله: 

 {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}
 (النساء 103)

 أي أن الصلاة هي أحد المواضيع التعبدية التي تؤدي في أوقات محددة سلفا، وهي (أي هذا الكتاب “الموضوع التعبدي”) مؤلف من عناصر الطهارة والوضوء والقيام والركوع والسجود…الخ أي أن مجموعة هذه المواضيع بعضها مع بعض تؤلف كتاب الصلاة.
أما عندما تأتي لفظة “كتاب” في القرآن فهي تعني مجموعة الشروط الموضوعية التي إذا اجتمعت بعضها مع بعض يخرج منها ظاهرة موضوعية ما.
هكذا يجب أن نفهم كلمة “كتاب” عندما تأتي في القرآن، فمثلا 

كتاب الموت هو مجموعة الشروط الموضوعية بحيث إذا اجتمعت بعضها مع بعض “كتبت” وقع الموت لا محالة. وكذلك كتاب النصر وهو مجموعة الشروط الموضوعية التي إذا اجتمعت بعضها مع بعض وقع النصر، وكذلك كتاب الهزيمة.
وعندما حاضت عائشة رضي الله عنها عند خروجها مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم “مالك أنفست؟ قالت: نعم.
 فقال لها النبي ص: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم”. 
هنا سمى الدورة الشهرية للمرأة كتابا أي هو إحدى الظواهر الطبيعية للمرأة.

 وإذا أردنا أن ندرس كتاب الحيض فعلينا أن نراجع الطب النسائي لمعرفة تفاصيل هذا الكتاب.
إن علاقة الإنسان بكتب الطبيعة والتي هي “القدر” هي علاقة دراسة ومعرفة، فكلما زادت معلومات الإنسان عن كتاب الموت استطاع أن يؤجل وقوعه ولكنه لا يلغيه.

 بعد هذه المقدمة لندخل إلى صلب البحث:
الفرع الأول:
 
 الأعمار:


لنقارن بين الآيتين التاليتين:
1.     {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين} (آل عمران 145).
2.     {فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} (النساء 103).
الآية الأولى في آل عمران هي من القرآن “نبوة” أما الآية الثانية من سورة النساء فهي من أم الكتاب “رسالة” وقلنا إن النبوة فيها قوانين القدر، والرسالة فيها القضاء الإنساني. فعندما قال إن الموت كتاب مؤجل أي إن كتاب الموت هو مجموعة الشروط الموضوعية التي تؤدي إلى الموت، وإن الموت مؤجل حتى تتحقق شروط هذا الكتاب. وعندما يدرس الإنسان كتاب الموت وتزيد معرفته به يستطيع أن يؤجل هذه الشروط ويطيل الأعمار.
فمثلا عندما تقدم طب الأطفال والنظافة العامة، خفت وفيات الأطفال بشكل ملحوظ وألغيت بعض الأمراض السارية. وعندما تقدم طب القلب والعمليات الجراحية أصبحت فرص النجاة من أمراض كانت سابقا لا أمل من النجاة منها كثيرة، وهذا ما أدى إلى ارتفاع متوسط الأعمار في هذا المضمار، فكلما زاد تقدم البلد في الطب وفي النظافة وفي تطبيق قواعد السلامة في العمل وفي الحياة العامة، ارتفع متوسط الأعمار فيه، لذا قال عن الموت {كتابا مؤجلا}. أما إذا اجتمعت الشروط الموضوعية التي تؤدي إلى الموت فالأجل لا محالة حاصل، ولذلك قال: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}(الأعراف 34).
ولكنه ربط أي أجل بكتاب بقوله: {لكل أجل كتاب} (الرعد 38) أي أن الواقع الحتمي لأي حدث “أجله” لابد أن يسبقه كتاب هذا الحدث وهو مجموعة الشروط الموضوعية التي تؤدي حتما إليه والتي تخضع للدراسة من قبل الإنسان فكلما زادت معرفة الإنسان بالكتب الطبيعية زادت إمكانيته لتسخيرها لمصلحته والمناورة بها وقد خبرنا الله سبحانه وتعالى أن كل شيء له كتاب بقوله: {وكل شيء أحصيناه كتابا} (النبأ 29)
. أما الآية الثانية من سورة النساء فهي من أم الكتاب وهي من قضاء الإنسان لذا قال عنها أي الصلاة هي من المواضيع التي تؤدي في أوقاتها المحددة والمعروفة سلفا. لذا فإن كتاب الصلاة هو من أم الكتاب وكتاب الموت هو من القرآن فالأول كتاب قضاء والثاني كتاب قدر.
من هذا المنطلق نفهم أن أعمار الإنسان غير ثابتة. بل متغيرة لقوله: {كتابا مؤجلا}. وجاء هذا البلاغ بشكل صريح في قوله تعالى: {والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير} (فاطر 11). لاحظ في هذه الآية كيف صرح أن نقصان العمر أو زيادته لا تكون إلا في كتاب، أي أن هناك مجموعة ما لشروط الموضوعية تؤدي إلى نقصان العمر أو زيادته لا تكون إلا في كتاب، أي أن هناك مجموع من الشروط الموضوعية تؤدي إلى نقصان الأعمار، وأخرى تؤدي إلى زيادتها، وما اختصاص علم الطب إلا في هذه الكتب، وإن الأموال المصروفة على الأبحاث الطبية في العالم لا تصرف هدرا وبدون فائدة لأن هذه الأموال تصرف على البحث في شروط طول العمر وقصره.
أما ما جاء من اللف والدوران في بعض كتب التفسير بأن الضمير في “ينقص من عمره” تعود على شخص آخر فهذا ما لا تحتمله اللغة لأنه لو كان يريد ذلك لقال “ولا ينقص من عمر آخر” ولكن الفكرة المسبقة عن الأعمار وأنها ثابتة أدت إلى هذا المخرج الساذج.
لقد آن لنا نحن المسلمين أن نفهم أن الأعمار غير ثابتة، وآن لأطبائنا أن يفهموا أن الأعمار غير ثابتة ويتحملوا مسؤولياتهم الكاملة تجاه المرضى، وآن للمسؤولين في البلاد العربية والإسلامية أن يفهموا ذلك ويتحملوا مسؤولياتهم تجاه حياة الناس في دولهم.
إن عدم ثبات الأعمار يوضح لنا لماذا كانت عقوبة القاتل هي القتل، لأن القاتل قد نقص من عمر المقتول فكانت عقوبته إنقاص عمره. وإن عدم ثبات الأعمار يوضح لنا لماذا أعز الله الشهيد وأعطاه المرتبة العالية، لأنه تبرع بأغلى ما عنده وهو الحياة، ولأنه وافق طوعاً على إنقاص عمره في سبيل الله.
وهذا أيضا يبين لنا لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم من أحرص الناس على حياة أصحابه وعلى حياة العرب وكان يعدهم بأجر الشهادة عند الله، ولكنه لم يأمر أحدا منهم بأن يذهب في مهمة انتحارية لقتل نفسه، ونرى هذا أيضاً في تحريم الله تعالى للانتحار بأمره {ولا تقتلوا أنفسكم} (النساء 29). ونرى أيضا كيف أجل الهلاك على قوم يونس بقوله: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي. في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} (يونس 98).
لنشرح الآن قوله تعالى في الآيات التالية:
{قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} (التوبة 51). إن هذه الآية تفهم في ضوء قوله تعالى: {وكل شيء أحصيناه كتابا} (النبأ 29). هذا يعني أن كل شيء في الطبيعة عبارة عن شروط مجتمعة بعضها مع بعض “كتب”. فلا يمكن لأي إنسان أن يصيبه شيء غلا من خلال هذه الكتب. فإذا مرض فإنه لن يمرض إلا بمرض من الأمراض الموجودة في الطبيعة والموجودة ضمن الشروط التي يعيشها، أي تنطبق عليه، لذا وضع {لن يصيبنا}. جمعا ولم يضعها مفردة. {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسهم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير} (الحديد 22).
{لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور} (الحديد 23). في هاتين الآيتين يتبين أن كل المصائب التي تحصل في الأرض من زراعة وأملاك وهلاك دول وقيامها والزلازل والمصائب التي تحصل في الأنفس لا تكون إلا في كتاب، أي من خلال الشروط الموضوعية الموجودة فعلا.
ففي حالة الهزيمة مثلا، فهذا يعني ن هناك شروطا موضوعية وجدت نتج عنها الهزيمة “كتاب الهزيمة”، وفي حال النصر يعني وجود شروط موضوعية اجتمعت مع بعضها أدت إلى النصر “كتاب النصر”. وبالتالي فيجب على المنتصر أن لا يفرح بنصره، وعلى المهزوم أن لا ييأس من هزيمته بحيث إذا درسا كتاب النصر وكتاب الهزيمة فيمكن أن يتبادلا الأدوار، فالمنتصر يمكن أن يهزم والمهزوم يمكن أن ينتصر لذا قال: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}.
أما قول النبي صلى الله عليه وسلم “إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة ومثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد… إلى أخر الحديث” “انظر صحيح مسلم ج4 ص 2036 إن قول النبي هذا يبين لنا الأمور التالية:
1 – إن الروح ليس لها علاقة بالحياة لأن لملك عندما ينفخ الروح في الجنين وهو كائن حي، فالحيوان المنوي كائن حي والبويضة كذلك وبعد اللقاح يحصل التكاثر، وهذه كلها ظواهر كائن حي، أما الروح فهي شيء آخر تماما وليست سر الحياة، كما سبق لنا أن بينا.
2 – بعد أن يتحول الكائن البشري في الرحم إلى كائن إنسان يبدأ التسجيل عليه في ثلاثة فروع:
أ‌ – تسجيل الحياة العضوية أثناء الحياة “تجميع وهذا يعني يكتب”.
ب‌ – تسجيل الأعمال حين وقوعها.
ج – تسجيل الأرزاق حين وقوعها.
وبعد أن يموت ينتهي عمره ورزقه وعمله فيمكن أن يعمل له كشف بأعماله فتظهر نتيجة ذلك الكشف بأنه شقي أم سعيد.
إن هذا الحديث متطابق تماما مع النص القرآني، فقد بينا أن الروح في النص القرآني ليست سر الحياة، وأن أعمال الإنسان في النص القرآني إنما تسجل عليه حين وقوعها لا قبل وقوعها وذلك واضح في قوله تعالى: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} (الجاثية 29). وقوله تعالى: {كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون} (الانفطار 11 و12) فنحن نعلم أن النسخ لا يكون إلا من أصل، فأصل الأعمال هو أعمالنا نحن، أي النسخة الأصلية لأعمالنا هي أعمالنا حين وقوعها وحين نقوم بها يؤخذ نسخة عنها “صوت وصورة” لذا قال: {ينطق عليكم بالحق).
لقد فهم كثير من الناس هذا الحديث فهما معاكسا تماما حيث ظنوا أن الجنين في بطن أمه يكتب عليه سلفا عمره ورزقه وعمله وشقي أو سعيد. لقد أخطأوا هنا بفهم كلمة “كتب”. وقد أكدت الآيات التالية أن الأساس هو أعمالنا والله ينسخها ويجمعها لنا حين وقوعها وذلك في قوله تعالى{فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون} (الأنبياء 94). وقوله{وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون} (يونس 21). وقوله:{كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا} (مريم 79). هنا لاحظ قوله: (له كاتبون، سنكتب، يكتبون) كلها للدلالة على أن أساس الأعمال هو نحن وتسجل علينا وتجمع وتصنف حين وقوعها.



الفرع الأول:

 الأعمار:


لنقارن بين الآيتين التاليتين:
  1. {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين} (آل عمران 145).
  2. {فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} (النساء 103).
الآية الأولى في آل عمران هي من القرآن “نبوة” أما الآية الثانية من سورة النساء فهي من أم الكتاب “رسالة” وقلنا إن النبوة فيها قوانين القدر، والرسالة فيها القضاء الإنساني. فعندما قال إن الموت كتاب مؤجل أي إن كتاب الموت هو مجموعة الشروط الموضوعية التي تؤدي إلى الموت، وإن الموت مؤجل حتى تتحقق شروط هذا الكتاب. وعندما يدرس الإنسان كتاب الموت وتزيد معرفته به يستطيع أن يؤجل هذه الشروط ويطيل الأعمار.
فمثلا عندما تقدم طب الأطفال والنظافة العامة، خفت وفيات الأطفال بشكل ملحوظ وألغيت بعض الأمراض السارية. وعندما تقدم طب القلب والعمليات الجراحية أصبحت فرص النجاة من أمراض كانت سابقا لا أمل من النجاة منها كثيرة، وهذا ما أدى إلى ارتفاع متوسط الأعمار في هذا المضمار، فكلما زاد تقدم البلد في الطب وفي النظافة وفي تطبيق قواعد السلامة في العمل وفي الحياة العامة، ارتفع متوسط الأعمار فيه، لذا قال عن الموت {كتابا مؤجلا}. أما إذا اجتمعت الشروط الموضوعية التي تؤدي إلى الموت فالأجل لا محالة حاصل، ولذلك قال: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}(الأعراف 34).
ولكنه ربط أي أجل بكتاب بقوله: {لكل أجل كتاب} (الرعد 38) أي أن الواقع الحتمي لأي حدث “أجله” لابد أن يسبقه كتاب هذا الحدث وهو مجموعة الشروط الموضوعية التي تؤدي حتما إليه والتي تخضع للدراسة من قبل الإنسان فكلما زادت معرفة الإنسان بالكتب الطبيعية زادت إمكانيته لتسخيرها لمصلحته والمناورة بها وقد خبرنا الله سبحانه وتعالى أن كل شيء له كتاب بقوله: {وكل شيء أحصيناه كتابا} (النبأ 29)
. أما الآية الثانية من سورة النساء فهي من أم الكتاب وهي من قضاء الإنسان لذا قال عنها أي الصلاة هي من المواضيع التي تؤدي في أوقاتها المحددة والمعروفة سلفا. لذا فإن كتاب الصلاة هو من أم الكتاب وكتاب الموت هو من القرآن فالأول كتاب قضاء والثاني كتاب قدر.
من هذا المنطلق نفهم أن أعمار الإنسان غير ثابتة. بل متغيرة لقوله: {كتابا مؤجلا}. وجاء هذا البلاغ بشكل صريح في قوله تعالى: {والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير} (فاطر 11). لاحظ في هذه الآية كيف صرح أن نقصان العمر أو زيادته لا تكون إلا في كتاب، أي أن هناك مجموعة ما لشروط الموضوعية تؤدي إلى نقصان العمر أو زيادته لا تكون إلا في كتاب، أي أن هناك مجموع من الشروط الموضوعية تؤدي إلى نقصان الأعمار، وأخرى تؤدي إلى زيادتها، وما اختصاص علم الطب إلا في هذه الكتب، وإن الأموال المصروفة على الأبحاث الطبية في العالم لا تصرف هدرا وبدون فائدة لأن هذه الأموال تصرف على البحث في شروط طول العمر وقصره.
أما ما جاء من اللف والدوران في بعض كتب التفسير بأن الضمير في “ينقص من عمره” تعود على شخص آخر فهذا ما لا تحتمله اللغة لأنه لو كان يريد ذلك لقال “ولا ينقص من عمر آخر” ولكن الفكرة المسبقة عن الأعمار وأنها ثابتة أدت إلى هذا المخرج الساذج.
لقد آن لنا نحن المسلمين أن نفهم أن الأعمار غير ثابتة، وآن لأطبائنا أن يفهموا أن الأعمار غير ثابتة ويتحملوا مسؤولياتهم الكاملة تجاه المرضى، وآن للمسؤولين في البلاد العربية والإسلامية أن يفهموا ذلك ويتحملوا مسؤولياتهم تجاه حياة الناس في دولهم.
إن عدم ثبات الأعمار يوضح لنا لماذا كانت عقوبة القاتل هي القتل، لأن القاتل قد نقص من عمر المقتول فكانت عقوبته إنقاص عمره. وإن عدم ثبات الأعمار يوضح لنا لماذا أعز الله الشهيد وأعطاه المرتبة العالية، لأنه تبرع بأغلى ما عنده وهو الحياة، ولأنه وافق طوعاً على إنقاص عمره في سبيل الله.
وهذا أيضا يبين لنا لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم من أحرص الناس على حياة أصحابه وعلى حياة العرب وكان يعدهم بأجر الشهادة عند الله، ولكنه لم يأمر أحدا منهم بأن يذهب في مهمة انتحارية لقتل نفسه، ونرى هذا أيضاً في تحريم الله تعالى للانتحار بأمره {ولا تقتلوا أنفسكم} (النساء 29). ونرى أيضا كيف أجل الهلاك على قوم يونس بقوله: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي. في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} (يونس 98).
لنشرح الآن قوله تعالى في الآيات التالية:
{قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} (التوبة 51). إن هذه الآية تفهم في ضوء قوله تعالى: {وكل شيء أحصيناه كتابا} (النبأ 29). هذا يعني أن كل شيء في الطبيعة عبارة عن شروط مجتمعة بعضها مع بعض “كتب”. فلا يمكن لأي إنسان أن يصيبه شيء غلا من خلال هذه الكتب. فإذا مرض فإنه لن يمرض إلا بمرض من الأمراض الموجودة في الطبيعة والموجودة ضمن الشروط التي يعيشها، أي تنطبق عليه، لذا وضع {لن يصيبنا}. جمعا ولم يضعها مفردة. {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسهم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير} (الحديد 22).
- {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور} (الحديد 23). في هاتين الآيتين يتبين أن كل المصائب التي تحصل في الأرض من زراعة وأملاك وهلاك دول وقيامها والزلازل والمصائب التي تحصل في الأنفس لا تكون إلا في كتاب، أي من خلال الشروط الموضوعية الموجودة فعلا.
ففي حالة الهزيمة مثلا، فهذا يعني ن هناك شروطا موضوعية وجدت نتج عنها الهزيمة “كتاب الهزيمة”، وفي حال النصر يعني وجود شروط موضوعية اجتمعت مع بعضها أدت إلى النصر “كتاب النصر”. وبالتالي فيجب على المنتصر أن لا يفرح بنصره، وعلى المهزوم أن لا ييأس من هزيمته بحيث إذا درسا كتاب النصر وكتاب الهزيمة فيمكن أن يتبادلا الأدوار، فالمنتصر يمكن أن يهزم والمهزوم يمكن أن ينتصر لذا قال: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}.
أما قول النبي صلى الله عليه وسلم “إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة ومثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد… إلى أخر الحديث” “انظر صحيح مسلم ج4 ص 2036″ إن قول النبي هذا يبين لنا الأمور التالية:
1 – إن الروح ليس لها علاقة بالحياة لأن لملك عندما ينفخ الروح في الجنين وهو كائن حي، فالحيوان المنوي كائن حي والبويضة كذلك وبعد اللقاح يحصل التكاثر، وهذه كلها ظواهر كائن حي، أما الروح فهي شيء آخر تماما وليست سر الحياة، كما سبق لنا أن بينا.
2 – بعد أن يتحول الكائن البشري في الرحم إلى كائن إنسان يبدأ التسجيل عليه في ثلاثة فروع:
أ‌ – تسجيل الحياة العضوية أثناء الحياة “تجميع وهذا يعني يكتب”.
ب‌ – تسجيل الأعمال حين وقوعها.
ج – تسجيل الأرزاق حين وقوعها.
وبعد أن يموت ينتهي عمره ورزقه وعمله فيمكن أن يعمل له كشف بأعماله فتظهر نتيجة ذلك الكشف بأنه شقي أم سعيد.
إن هذا الحديث متطابق تماما مع النص القرآني، فقد بينا أن الروح في النص القرآني ليست سر الحياة، وأن أعمال الإنسان في النص القرآني إنما تسجل عليه حين وقوعها لا قبل وقوعها وذلك واضح في قوله تعالى: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} (الجاثية 29). وقوله تعالى: {كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون} (الانفطار 11 و12) فنحن نعلم أن النسخ لا يكون إلا من أصل، فأصل الأعمال هو أعمالنا نحن، أي النسخة الأصلية لأعمالنا هي أعمالنا حين وقوعها وحين نقوم بها يؤخذ نسخة عنها “صوت وصورة” لذا قال: {ينطق عليكم بالحق).
لقد فهم كثير من الناس هذا الحديث فهما معاكسا تماما حيث ظنوا أن الجنين في بطن أمه يكتب عليه سلفا عمره ورزقه وعمله وشقي أو سعيد. لقد أخطأوا هنا بفهم كلمة “كتب”. وقد أكدت الآيات التالية أن الأساس هو أعمالنا والله ينسخها ويجمعها لنا حين وقوعها وذلك في قوله تعالى: {فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون} (الأنبياء 94). وقوله: {وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون} (يونس 21). وقوله: {كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا} (مريم 79). هنا لاحظ قوله: (له كاتبون، سنكتب، يكتبون) كلها للدلالة على أن أساس الأعمال هو نحن وتسجل علينا وتجمع وتصنف حين وقوعها.



الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة محمد شحرور






BC1

 


 


 




 












 القرآن (النبوة) هو الموضوعي وأم الكتاب (الرسالة) هو الذاتي  

2

 – أم الكتاب هي رسالة محمد (ص) وقد جاء القرآن تصديقاً لها  


















































































 

 

 

 









الفصل الرابع: الأعمار والأرزاق والأعمال

لقد ظن الكثير أن عمر الإنسان ورزقه وعمله مكتوب عليه سلفا، والمكتوب جاءت بمعنى المقدر عليه سلفا، وبذلك يصبح الإنسان فاقد الإرادة والخيار له في أعماله وأرزاقه ويصبح الطب والعلاج والعمليات الجراحية بدون معنى وكذلك يصبح دعاء الإنسان لله تعالى ضربا من ضروب العبث واللهو.
أما رأي القرآن فهو غير ذلك، ففي بحثنا عن القرآن والكتاب عرفنا أن فعل “كتب” تعني تجميع الأشياء بعضها إلى بعض لإخراج موضوع معين محدد. ومن هنا جاءت كلمة الكتاب وهو مجموعة المواضيع التي جاءت إلى محمد صلى الله عليه وسلم وحيا، والتي جمع فيها نبوته ورسالته معاً.
فعندما تأتي لفظة “كتاب” في مواضيع أم الكتاب كقوله: {كتب عليكم الصيام} (البقرة 183). فهذا يعني أن الصوم هو أحد المواضيع التعبدية التي فرضها الله عليكم كما فرضها على الذين من قبلكم، وقوله: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} (النساء 103) أي أن الصلاة هي أحد المواضيع التعبدية التي تؤدي في أوقات محددة سلفا، وهي (أي هذا الكتاب “الموضوع التعبدي”) مؤلف من عناصر الطهارة والوضوء والقيام والركوع والسجود…الخ أي أن مجموعة هذه المواضيع بعضها مع بعض تؤلف كتاب الصلاة.
أما عندما تأتي لفظة “كتاب” في القرآن فهي تعني مجموعة الشروط الموضوعية التي إذا اجتمعت بعضها مع بعض يخرج منها ظاهرة موضوعية ما.
هكذا يجب أن نفهم كلمة “كتاب” عندما تأتي في القرآن، فمثلا كتاب الموت هو مجموعة الشروط الموضوعية بحيث إذا اجتمعت بعضها مع بعض “كتبت” وقع الموت لا محالة. وكذلك كتاب النصر وهو مجموعة الشروط الموضوعية التي إذا اجتمعت بعضها مع بعض وقع النصر، وكذلك كتاب الهزيمة.
وعندما حاضت عائشة رضي الله عنها عند خروجها مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم “مالك أنفست؟ قالت: نعم. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم”. هنا سمى الدورة الشهرية للمرأة كتابا أي هو إحدى الظواهر الطبيعية للمرأة. وإذا أردنا أن ندرس كتاب الحيض فعلينا أن نراجع الطب النسائي لمعرفة تفاصيل هذا الكتاب.
إن علاقة الإنسان بكتب الطبيعة والتي هي “القدر” هي علاقة دراسة ومعرفة، فكلما زادت معلومات الإنسان عن كتاب الموت استطاع أن يؤجل وقوعه ولكنه لا يلغيه. بعد هذه المقدمة لندخل إلى صلب البحث:
الفرع الأول:

 الأعمار:


لنقارن بين الآيتين التاليتين:
  1. {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين} (آل عمران 145).
  2. {فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} (النساء 103).
الآية الأولى في آل عمران هي من القرآن “نبوة” أما الآية الثانية من سورة النساء فهي من أم الكتاب “رسالة” وقلنا إن النبوة فيها قوانين القدر، والرسالة فيها القضاء الإنساني. فعندما قال إن الموت كتاب مؤجل أي إن كتاب الموت هو مجموعة الشروط الموضوعية التي تؤدي إلى الموت، وإن الموت مؤجل حتى تتحقق شروط هذا الكتاب. وعندما يدرس الإنسان كتاب الموت وتزيد معرفته به يستطيع أن يؤجل هذه الشروط ويطيل الأعمار.
فمثلا عندما تقدم طب الأطفال والنظافة العامة، خفت وفيات الأطفال بشكل ملحوظ وألغيت بعض الأمراض السارية. وعندما تقدم طب القلب والعمليات الجراحية أصبحت فرص النجاة من أمراض كانت سابقا لا أمل من النجاة منها كثيرة، وهذا ما أدى إلى ارتفاع متوسط الأعمار في هذا المضمار، فكلما زاد تقدم البلد في الطب وفي النظافة وفي تطبيق قواعد السلامة في العمل وفي الحياة العامة، ارتفع متوسط الأعمار فيه، لذا قال عن الموت {كتابا مؤجلا}. أما إذا اجتمعت الشروط الموضوعية التي تؤدي إلى الموت فالأجل لا محالة حاصل، ولذلك قال: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}(الأعراف 34).
ولكنه ربط أي أجل بكتاب بقوله: {لكل أجل كتاب} (الرعد 38) أي أن الواقع الحتمي لأي حدث “أجله” لابد أن يسبقه كتاب هذا الحدث وهو مجموعة الشروط الموضوعية التي تؤدي حتما إليه والتي تخضع للدراسة من قبل الإنسان فكلما زادت معرفة الإنسان بالكتب الطبيعية زادت إمكانيته لتسخيرها لمصلحته والمناورة بها وقد خبرنا الله سبحانه وتعالى أن كل شيء له كتاب بقوله: {وكل شيء أحصيناه كتابا} (النبأ 29)
. أما الآية الثانية من سورة النساء فهي من أم الكتاب وهي من قضاء الإنسان لذا قال عنها أي الصلاة هي من المواضيع التي تؤدي في أوقاتها المحددة والمعروفة سلفا. لذا فإن كتاب الصلاة هو من أم الكتاب وكتاب الموت هو من القرآن فالأول كتاب قضاء والثاني كتاب قدر.
من هذا المنطلق نفهم أن أعمار الإنسان غير ثابتة. بل متغيرة لقوله: {كتابا مؤجلا}. وجاء هذا البلاغ بشكل صريح في قوله تعالى: {والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير} (فاطر 11). لاحظ في هذه الآية كيف صرح أن نقصان العمر أو زيادته لا تكون إلا في كتاب، أي أن هناك مجموعة ما لشروط الموضوعية تؤدي إلى نقصان العمر أو زيادته لا تكون إلا في كتاب، أي أن هناك مجموع من الشروط الموضوعية تؤدي إلى نقصان الأعمار، وأخرى تؤدي إلى زيادتها، وما اختصاص علم الطب إلا في هذه الكتب، وإن الأموال المصروفة على الأبحاث الطبية في العالم لا تصرف هدرا وبدون فائدة لأن هذه الأموال تصرف على البحث في شروط طول العمر وقصره.
أما ما جاء من اللف والدوران في بعض كتب التفسير بأن الضمير في “ينقص من عمره” تعود على شخص آخر فهذا ما لا تحتمله اللغة لأنه لو كان يريد ذلك لقال “ولا ينقص من عمر آخر” ولكن الفكرة المسبقة عن الأعمار وأنها ثابتة أدت إلى هذا المخرج الساذج.
لقد آن لنا نحن المسلمين أن نفهم أن الأعمار غير ثابتة، وآن لأطبائنا أن يفهموا أن الأعمار غير ثابتة ويتحملوا مسؤولياتهم الكاملة تجاه المرضى، وآن للمسؤولين في البلاد العربية والإسلامية أن يفهموا ذلك ويتحملوا مسؤولياتهم تجاه حياة الناس في دولهم.
إن عدم ثبات الأعمار يوضح لنا لماذا كانت عقوبة القاتل هي القتل، لأن القاتل قد نقص من عمر المقتول فكانت عقوبته إنقاص عمره. وإن عدم ثبات الأعمار يوضح لنا لماذا أعز الله الشهيد وأعطاه المرتبة العالية، لأنه تبرع بأغلى ما عنده وهو الحياة، ولأنه وافق طوعاً على إنقاص عمره في سبيل الله.
وهذا أيضا يبين لنا لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم من أحرص الناس على حياة أصحابه وعلى حياة العرب وكان يعدهم بأجر الشهادة عند الله، ولكنه لم يأمر أحدا منهم بأن يذهب في مهمة انتحارية لقتل نفسه، ونرى هذا أيضاً في تحريم الله تعالى للانتحار بأمره {ولا تقتلوا أنفسكم} (النساء 29). ونرى أيضا كيف أجل الهلاك على قوم يونس بقوله: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي. في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} (يونس 98).
لنشرح الآن قوله تعالى في الآيات التالية:
{قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} (التوبة 51). إن هذه الآية تفهم في ضوء قوله تعالى: {وكل شيء أحصيناه كتابا} (النبأ 29). هذا يعني أن كل شيء في الطبيعة عبارة عن شروط مجتمعة بعضها مع بعض “كتب”. فلا يمكن لأي إنسان أن يصيبه شيء غلا من خلال هذه الكتب. فإذا مرض فإنه لن يمرض إلا بمرض من الأمراض الموجودة في الطبيعة والموجودة ضمن الشروط التي يعيشها، أي تنطبق عليه، لذا وضع {لن يصيبنا}. جمعا ولم يضعها مفردة. {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسهم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير} (الحديد 22).
- {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور} (الحديد 23). في هاتين الآيتين يتبين أن كل المصائب التي تحصل في الأرض من زراعة وأملاك وهلاك دول وقيامها والزلازل والمصائب التي تحصل في الأنفس لا تكون إلا في كتاب، أي من خلال الشروط الموضوعية الموجودة فعلا.
ففي حالة الهزيمة مثلا، فهذا يعني ن هناك شروطا موضوعية وجدت نتج عنها الهزيمة “كتاب الهزيمة”، وفي حال النصر يعني وجود شروط موضوعية اجتمعت مع بعضها أدت إلى النصر “كتاب النصر”. وبالتالي فيجب على المنتصر أن لا يفرح بنصره، وعلى المهزوم أن لا ييأس من هزيمته بحيث إذا درسا كتاب النصر وكتاب الهزيمة فيمكن أن يتبادلا الأدوار، فالمنتصر يمكن أن يهزم والمهزوم يمكن أن ينتصر لذا قال: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}.
أما قول النبي صلى الله عليه وسلم “إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة ومثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد… إلى أخر الحديث” “انظر صحيح مسلم ج4 ص 2036″ إن قول النبي هذا يبين لنا الأمور التالية:
1 – إن الروح ليس لها علاقة بالحياة لأن لملك عندما ينفخ الروح في الجنين وهو كائن حي، فالحيوان المنوي كائن حي والبويضة كذلك وبعد اللقاح يحصل التكاثر، وهذه كلها ظواهر كائن حي، أما الروح فهي شيء آخر تماما وليست سر الحياة، كما سبق لنا أن بينا.
2 – بعد أن يتحول الكائن البشري في الرحم إلى كائن إنسان يبدأ التسجيل عليه في ثلاثة فروع:
أ‌ – تسجيل الحياة العضوية أثناء الحياة “تجميع وهذا يعني يكتب”.
ب‌ – تسجيل الأعمال حين وقوعها.
ج – تسجيل الأرزاق حين وقوعها.
وبعد أن يموت ينتهي عمره ورزقه وعمله فيمكن أن يعمل له كشف بأعماله فتظهر نتيجة ذلك الكشف بأنه شقي أم سعيد.
إن هذا الحديث متطابق تماما مع النص القرآني، فقد بينا أن الروح في النص القرآني ليست سر الحياة، وأن أعمال الإنسان في النص القرآني إنما تسجل عليه حين وقوعها لا قبل وقوعها وذلك واضح في قوله تعالى: {هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} (الجاثية 29). وقوله تعالى: {كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون} (الانفطار 11 و12) فنحن نعلم أن النسخ لا يكون إلا من أصل، فأصل الأعمال هو أعمالنا نحن، أي النسخة الأصلية لأعمالنا هي أعمالنا حين وقوعها وحين نقوم بها يؤخذ نسخة عنها “صوت وصورة” لذا قال: {ينطق عليكم بالحق).
لقد فهم كثير من الناس هذا الحديث فهما معاكسا تماما حيث ظنوا أن الجنين في بطن أمه يكتب عليه سلفا عمره ورزقه وعمله وشقي أو سعيد. لقد أخطأوا هنا بفهم كلمة “كتب”. وقد أكدت الآيات التالية أن الأساس هو أعمالنا والله ينسخها ويجمعها لنا حين وقوعها وذلك في قوله تعالى: {فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون} (الأنبياء 94). وقوله: {وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون} (يونس 21). وقوله: {كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا} (مريم 79). هنا لاحظ قوله: (له كاتبون، سنكتب، يكتبون) كلها للدلالة على أن أساس الأعمال هو نحن وتسجل علينا وتجمع وتصنف حين وقوعها.
الفرع الثاني: الأرزاق:
{وفي السماء رزقكم وما توعدون} (الذاريات 22).
{وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} (الزخرف 31).
{أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون} (الزخرف 32).
لقد ظن الكثير أن أرزاق الناس محددة سلفا. هذا صحيح إذا فمناها على معنى الجمع الكلي الاحتمالي وغير صحيح إذا فهمناها على معنى الإفراد. فإذا فهمناها على معنى الجمع فهذا يعني أن أرزاق الناس لا تأتي إلا من خيرات الطبيعة ومن العمل هذان هما المصدران الوحيدان للرزق لقوله: {ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون} (يس 35). هنا “ما” اسم موصول بمعنى الذي، أي والذي عملته أيديهم.
أما خيرات الطبيعة من طعام وشراب وأنعام فأساسها الماء لذا سمي ماء المطر “الرزق” لقوله تعالى: {واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله منا لسماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون} (الجاثية 5). لاحظ كيف سمى الماء من السماء رزقا، أما قوله:
{وما توعدون}. بمعنى والذي توعدون، فإن كل وعود رب العالمين تأتي من السماء لقوله: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه} (السجدة 5).
أما قوله تعالى: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا…الآية}. فهذه الآية تعطينا قواعد التنظيم الاجتماعي المتحضر بأن الناس تمارس عملا واحدا في معاشها فهناك مجال الزراعة وهناك مجال الصناعة وهناك مجال الخدمات، كل هذه الأعمال هي مجالا لحياة ولا خروج عنها لذا قال: {قسمنا بينهم معيشتهم}. وهنا جاء مفهوم التسخير: {ليتخذ بعضهم بعضا سخريا}. فالذي يزرع مسخر لإطعام الذي يعمل في المصانع والطبيب مسخر لكي يعالج العامل والفلاح، والعامل مسخر لكي ينتج للفلاح والطبيب، والمعلم مسخر لكي يعلم أبناء هؤلاء… وهكذا دواليك حيث لا يمكن لأي تجمع حضاري متقدم أن يعيش إلا على أساس تخصص المهن وطرق المعاش بحيث أن كل صاحب عمل مسخر لخدمة الباقين، وقد أكدنا أن التسخير لا يكون دون مقابل أي أن السخرة هي عمل له مقابل لذا قال: {ليتخذ بعضهم بعضا سخريا}.
أي أن هذه الآية ليس لها علاقة بالتحديد المسبق لأرزاق الأفراد كل على حدة. أما التحديد المسبق للرزق فهو الطبيعة وخيراتها وعمل الإنسان ثم إنه في عمل الإنسان هناك القسمة في المهن بين الناس التي تعتبر قانونا لا مناص منه.
أما قوله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا…الآية} (الطلاق 2)، {ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا} (الطلاق 3). فعلينا هنا أن نعرف التقوى أولا، فالتقوى الاجتماعية هي اتباع وصايا أم الكتاب حصرا. {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم تتقون} (الأنعام 153).
هذه هي الوصية العاشرة في الفرقان. فعندما يتبع الإنسان الوصايا فإن الله يسهل له عمله ورزقه ولكن هذا التسهيل لا يكون إلا من خلال الكتب أي من خلال الشروط الموضوعية التي يعيشها هذا الإنسان لا من خراجها أي من خلال المقدرات الموجودة فعلا، لذا أنهى الآية بأهم شرط بقوله {قد جعل الله لكل شيء قدرا}. فإذا أراد الله أن يرزق إنسانا يعمل في حقل الهندسة المدنية “كتاب الهندسة” فلا يرزقه من حقول القمح والبطاطا إلا إذا غير مهنته إلى حقل الزراعة “كتاب الزراعة”. أي عندما يريد الله سبحانه وتعالى أن يرزق إنسانا ما يجعل كل الظروف الموضوعية التي يعيشها تعمل لصالحه. والله أعلم.
الفرع الثالث: الأعمال:
ما هي الأعمال؟ وهل أعمال الإنسان مقدرة عليه سلفا؟ وما هو المقدر عليه سلفا من أعماله؟ وما هو الشيء المفتوح؟ قبل أن نخوض في هذا البحث علينا أن نعرف المصطلحات التالية:
“العمل”، “الفعل”، “الصنع”، “الكسب”:
- العمل: هو حركة واعية يقوم بها الإنسان على وجه العموم (WORK).
- الفعل: هو عمل معرف محدد (do) فنقول “ضرب” فعل ماض أي عمل معرف بالضرب، و”أكل” فعل ماض أي عمل معرف بالأكل، ولا نقول عمل ماض. فإذا أخذنا كل آيات الكتاب المذكور فيها “فعل وعمل” رأيناها لا تخرج عن هذين المعنيين. فالله سبحانه وتعالى يعلم ماذا يفعل فقال: {فعال لما يريد} (البروج 16). ولم يقل عمال لما يريد.
وعندما تسجل الملائكة أعمال الإنسان فإنها تعلمها وتسجلها لذا قال: {كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون} (الانفطار 11، 12). وعندما كسر إبراهيم الأصنام وجاء قومه يسألونه عمن كسرها: {قالوا من فعل هذا بآلهتنا} (الأنبياء 59). كانوا يسألون عن الكسر فأجابهم إبراهيم: {بل فعله كبيرهم} (الأنبياء 63). أي كسره. وعندما رأى إبراهيم في المنام أنه يذبح ابنه: {قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك} (الصافات 102). فأجابه ابنه قائلا: {قال يا أبت افعل ما تؤمر} (الصافات 102). هنا قال “افعل” أي اذبح.
وعندما أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ الرسالة: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} (المائدة 67). هنا قال: {وإن لم تفعل}. أي لم تبلغ.
وعندما قال: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون} (الأنعام 112). هنا جاء قوله: {ولو شاء ربك ما فعلوه}. تعليقاً على قوله: {يوحي بعضهم إلى بعض}. وعندما قال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} (البقرة 278، 279) هنا قال: {فإن لم تفعلوا}. أي لم تذروا ما بقي من الربا، أي جاءت لشيء محدد معرف.
وبما أن الله يعلم أفعال الإنسان تحديدا عندما يقوم بها فقد قال: {إن الله يعلم ما تفعلون} (النحل 91). هنا جاءت معرفة الله بأفعال الإنسان بصفتين: الصفة الأولى وهي إثبات المعرفة بقوله: {إن الله يعلم ما تفعلون}. والثانية نفيا لجهل بقوله: {وما ربك بغافل عما تعملون} (النمل 93) ولو قال “ليس الله بغافل عما تفعلون” فالفعل أصلا معرف محدد فلا داعي أن يقول ليس بغافل ولا تأتي الصفة قبلها إلا بصيغة يعلم. وبما أن العمل منكر أي على وجه العموم لا التحديد جاءت الصيغة قبله بنفي الجهل بقوله تعالى: {ليس بغافل} ولا نجد في الكتاب أبدا صيغة “وليس الله بغافل عما تفعلون”.
أما قوله: {إنه خبير بما تفعلون} (النمل 88). فالخبرة تسبقها معرفة، أي أن الخبرة معرفة وممارسة معا لذا نقول إن الله عليم خبير. ولا نجد في الكتاب أبدا صيغة “إن الله يعمل ما يشاء” بل نجد صيغة {إن الله يفعل ما يريد} (الحج 14)، وصيغة {ويفعل الله ما يشاء} (إبراهيم 27) لأن إرادة الله وأفعاله كلها معرفة له. فعندما قال: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كان لهم جنات الفردوس نزلا} (الكهف 107) لم يحدد ما هي الصالحات، قالها على وجه العموم لأن الصالحات متغيرة مع تغير الزمن، وعندما قال: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (الزلزلة 7، 8) قالها على وجه العموم لأنه لو قال “ومن يفعل مثقال ذرة خيرا يره” لقالت له العرب ما هو الفعل الذي إذا فعلناه لكان مثقال ذرة من الخير أي لوجب عليه تعريفه تحديدا.
ولو قال “إن الذين آمنوا وفعلوا الصالحات” لأتبعها بتحديد الصالحات حصرا، أو لسأله العرب ما هي هذه الصالحات؟ ومثال على ذلك قوله: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل}. إذ أتبعها مباشرة بتحديد هذا الفعل بقوله: {ألم يجعل كيدهم في تضليل * وأرسل عليهم طيرا أبابيل}. حتى آخر السورة. وهكذا نرى عندما يقول {عملوا الصالحات}. تأتي على وجه العموم لا على وجه الخصوص دون أن تعرف ما هي هذه الصالحات، لأنها متغيرة حسب الزمان والمكان وتطور التاريخ فيبقيها دون تعريف.
فالعمل عام، والفعل خاص ومعرف. فنقول إن زيدا من الناس يعمل نجارا ولا نقول يفعل نجارا، فيقول بالأفعال التالية: ينشر الخشب ويدقا لمسامير ويلصق الألواح الخشبية بعضها ببعض. أي أن العمل بشكل عام والعمل الإنتاجي بشكل خاص يمكن أن يقسم إلى أفعال أولية معرفة كل على حدة.
الآن بعد أن عرفنا الفعل والعمل نرى أن حالة إثبات المعرفة لله سبحانه وتعالى جاءت في الكتاب على ثلاث حالات:
  • الحالة الأولى:
حالة إثبات المعرفة على وجه الخصوص أي جاءت المعرفة للحدث المعروض في الآية وقد جاءت على وجهين:
أ- تقديم العلم على الفعل:
  • {إن الله يعلم ما تفعلون} (النحل 91).
  • {إنه خبير بما تفعلون} (النمل 88) “الخبرة = العلم + الممارسة”.
  • {ويعلم ما تفعلون} (الشورى 25).
  • {ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون} (الأنعام 159).
  • {إن الله عليم بما يفعلون} (يونس 36).
ب- تقديم الفعل على العلم:
  • {وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما} (النساء 127).
  • {وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم} (البقرة 215).
  • {وما تفعلوا من خير يعلمه الله} (البقرة 197).
هنا قدم الفعل على العلم بصيغة واحدة فقط هي {من خير}. حيث ذكر الخير في حالة التبعيض في بداية الآيات، وبما أن علم الله يحمل كل الاحتمالات وضع العلم بعد صيغة “من خير”.
  • الحالة الثانية:
حالة إثبات المعرفة على وجه العموم أي ن المعرفة لم تقتصر على الأحداث المذكورة في الآية بل معرفة عامة كاملة وجاءت في صيغتين:
أ- حالة تقديم العلم على العمل: وقد جاءت هذه الصيغة في الكتاب/36/مرة بالأشكال التالية:
  • {والله خبير بما تعملون} (آل عمران 153).
  • {والله بصير بما يعملون} (البقرة 96).
  • {والله عليم بما يعملون} (يوسف 19).
  • {والله شهيد على ما تعملون} (آل عمران 98).
  • {فينبئهم بما عملوا} (النور 64).
  • {فينظر كيف تعملون} (الأعراف 129).
  • {إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} (الجاثية 29).
ب- حالة تقديم العمل على العلم: وقد جاءت هذه الصيغة في الكتاب/37/ مرة بالأشكال التالية:
  • {إن الله بما تعملون بصير} (البقرة 110).
  • {والله بما تعملون خبير} (البقرة 234).
  • {ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا} (يونس 61).
  • {إن ربي بما تعملون محيط} (هود 92).
  • {إني بما تعملون عليم} (المؤمنون 51).
  • الحالة الثالثة:
حالة نفي الجهل جاءت حصرا على وجه العموم أي وردت كلمة “عمل” ولا نجد في الكتاب صيغة “فعل” مع نفي الجهل وذلك لنفي الجهل على العموم لا لنفي الجهل بالموضوع المذكور بالآية ولو جاء نفي الجهل مع “يفعلون” لنفي جهله في الفعل المعرف مع زمن حدوثه بالآية فقط مع إمكانية جهله بمواضيع أخرى وفي أزمنة أخرى:
  • {وما الله بغافل عما تعلمون} (البقرة 74).
  • {وما الله بغافل عما تعملون} (البقرة 85).
  • {وما الله بغافل عما تعلمون} (البقرة 149).
  • {وما ربك بغافل عما يعملون} (الأنعام 132).
  • {وما الله بغافل عما تعملون} (آل عمران 99).
  • {وما ربك بغافل عما تعلمون} (هود 123).
  • {وما ربك بغافل عما تعملون} (النمل 93).
  • {ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون} (فصلت 22).
  • {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون} (إبراهيم 42).
إرادة الله وأفعاله كلها معرفة له:
  • {ولكن الله يفعل ما يريد} (البقرة 253).
  • {كذلك الله يفعل ما يشاء} (آل عمران 40).
  • {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم} (النساء 147).
  • {ويفعل الله ما يشاء} (إبراهيم 27).
  • {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} (الأنبياء 23).
  • {إن الله يفعل ما يريد} (الحج 14).
  • {إن الله يفعل ما يشاء} (الحج 18).
  • {فعال لما يريد} (هود 107).
  • {فعال لما يريد} (البروج 16).
  • {وكان أمر الله مفعولا} (النساء 47).
  • {ليقضي الله أمرا كان مفعولا} (الأنفال 42).
  • {ليقضي الله أمرا كان مفعولا} (الأنفال 44).
  • {وكان وعدا مفعولا} (الإسراء 5).
  • {إن كان وعد ربنا لمفعولا} (الإسراء 108).
  • {وكان أمر الله مفعولا} (الأحزاب 37).
  • {كان وعده مفعولا} (المزمل).
شرح قوله تعالى:
{أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون} (يس 71).
هنا لو قال “مما فعلت أيدينا أنعاما” فهذا يعني أن المخاطب وهو الإنسان يعلم كل الأفعال المتالية والمتوازية المعرفة التي تمت في خلق الأنعام ابتداء من أول خلية حية حتى الوصول إلى الأنعام أو لذكر ما هي كل الأفعال التي نفذت حتى تم خلق الأنعام، ولو كانت هذه الأفعال معرفة للمخاطب لاستطاع هذا المخاطب أن يخلق أنعاما بنفسه. وهنا يجب أن نشرح كلمة {أيدينا}: فالأيدي جاءت من فعل “أيد” ومنه جاءت الأيدي والأيادي والتأييد، فنقول إن فلانا أيد فلانا في موقفه فهذا يعني أنه وافقه وبالتالي مد له يد المساعدة “
دعمه” وهكذا نفهم قوله تعالى: {يد الله فوق أيديهم} (الفتح 10).
إن الله سبحانه وتعالى أيد الصحابة في بيعة الرضوان في موقفهم هذا ومد لهم يد المساعدة وكذلك نفهم قوله تعالى: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} (الذاريات 47) فالآية تدل على القدرة والحفظ على وجه العموم لا الحصر.
وإذا جاءت من “يد” فهي تعني المنعة والقوة والإصلاح “ضرب بيد من حديد” أي ضرب بمنعة وقوة، أي اتخذ موقفا منيعا وقويا.
- معنى فعل “صنع”:
استعمل الفعل صنع في الكتاب للدلالة على تاج عمل كقوله لنوح {واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبين في الذين ظلموا إنهم مغرقون} (هود 37). وقوله: {فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا} (المؤمنون 27). وبما أن السحر كان مهنة أيام موسى قال: {وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر} (طه 69). وفي قوله عن داوود قال: {وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم} (الأنبياء 80). وعن الطبيعة التي هي من صنع الله قال: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون} (النمل 88). أما قوله تعالى عن قوم هود {وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون} (الشعراء 129). هنا بما أن قوم هود كانوا يبنون بيوتهم في الأماكن العالية لقوله: {تبنون بكل ريع آية تعبثون} (الشعراء 128).
والريع هو المكان العالي، وبما أن هذا المكان العالي بحاجة إلى مياه فقد صنعوا أيضا حفرا لتجميع المياه، سميت مصانع، وإلى الآن تستعمل في بعض البلاد العربية كلمة “مصنع مياه” أي خزان ماء. وعندما قال: {إن الله خبير بما يصنعون} (النور 30} {إن الله عليم بما يصنعون} (فاطر8)، {والله يعلم ما تصنعون} (العنكبوت 45). فالصناعة تحتاج إلى علم وخبرة ومؤلفة من مجموعة من الأفعال المحددة لإنتاج شيء ما لذا رافعه: عليم وخبير بما يصنعون فوضع “عليم وخبير” قبل “يصنعون” لا بعدها لأنه قالها على وجه الخصوص لا على وجه العموم. أما قوله لموسى {وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني} (طه 39). حيث تربى في بيت فرعون وقام فرعون بتربيته وتنشئته والله يرعاه قال: {ولتصنع على عيني} لذا فقولنا “الجامعة هي مصنع العلماء” يعتبر قولا عربيا صحيحا أي لتحويل الجاهل إلى متعلم.
ولنشرح الآن الآيتين التاليتين:
1 – {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} (النحل 112). إذ أن آيات الأمثال هيمن القرآن دائما لقوله ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل} (الكهف 54). ففي هذه الآية قانون موضوعي، هذا القانون هو أن كل مجتمع إنساني مستقر “قرية” كفر بأنعم الله فهناك عقابان هما نتيجة صنع الإنسان نفسه، هنا “الباء” في “بما” هي باء الاستعانة كقولنا “ضربتك بيدي” العقاب الأول هو الجوع، والعقاب الثاني هو الخوف. وسببهما هو صناعة الإنسان نفسه. فإذا نظرنا الآن مثلا إلى العالم رأينا أنه يصنع القنابل الذرية وحاملات الطائرات والغواصات والصواريخ فإذا عرفنا الآن أن حاملة طائرات واحدة مع ملحقاتها تكلف حوالي/20/مليار دولار لعرفنا النفقات الهائلة الأسطورية التي تنفق على سباق التسليح.
هذا السباق ينتج عنه مشكلتان:
  • الأولى: الجوع حيث أن هذه النفقات تذهب على حساب متطلبات الإنسان ورفاهيته.
  • والثانية: الخوف حيث أن هذه الأسلحة تسبب الدمار الهائل فأصبحت تشكل كابوسا على الإنسان، وهذه الأسلحة هي من صناعة الإنسان أصلا أي من نتاج عمله لذا قال: {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون}. وهذا أيضا يدل على أن القرية عندما تكفر بالله لا يقطع الله عنها الرزق من ماء وشجر وزراعة…الخ، لأنه ربها. فسباق التسلخ هو عذاب الله على الكفر بنعمته في العصر الحديث. فعلى الإنسانية المؤمنة أن تسعى لوضع حد لهذا العذاب. إن مقياس إخلاص الإنسان تجاه الإنسانية هو موقفه من سباق التسلح وهدر المليارات من النقود على آلة الرعب وسبب الجوع. وهكذا نفهم قوله تعالى: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون} (هود 15} (أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} (هود 16).
هذه الآيات تقول للذين لا يؤمنون إلا بالحياة الدنيا ويظنون أنها نهاية المطاف وأنه لا آخرة بعدها فالله يوف إليهم أعمالهم فيها ولا يبخسهم فيها شيئا. أما في الآخرة فلا تفيدهم كل صناعاتهم المنتجة في الدنيا لذا قال: {وحبط ما صنعوا فيها}. يظن بعضهم أن الدنيا للكافر والآخرة للمؤمن! وهذا غير صحيح. فالدنيا للكافر والمؤمن على حد سواء، والمؤمن له ثواب الآخرة بالإضافة إلى الدنيا. أما الكافر فلا يوجد له ثواب في الآخرة.
2 – {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد} (الرعد 31).
تدل هذه الآية على أن مواضيع القرآن هي العلم فقط لذا قال {قطعت به الأرض أو كلم به الموتى… الخ) وإن العلم متاح لكل إنسان لذا قال عن القرآن: {هدى للناس}. هذه العلوم متاحة للمؤمن والكافر على حد سواء لذا قال للمؤمن إن قوانين الجدل هي قوانين موضوعية وإنه لا مناص من وجود الكفر والإيمان معا وإن الكفر لا ينتهي والإيمان لا ينتهي بل هما في علاقة جدلية مادامت الإنسانية موجودة.
أما الذين كفروا فيصيبهم {بما صنعوا} فالباء هنا باء الاستعانة أي بصناعتهم التي هي نتاج عملهم ستصيبهم {قارعة} وهي من فعل “قرع” وهي الضربة القاصمة القوية {أو تحل قريبا من دارهم} وهنا يجب أن نميز بين الدار والديار، فالدار هي قطعة من الأرض تسمى الوطن، فالأرض التركية هي دار الأتراك، أما الديار فهي أبنية لها جدران لذا قال {أو تحل قريبا من دارهم} أي مجاورة لحدودهم وهذا المعنى جاء في قوم ثمود فهناك فئتان من لناس في ثمود، الفئة الأولى تسكن البيوت المنحوتة في الجبال وهذه البيوت لها أبواب وجدران ولكنها دون نوافذ فهلك سكانها بالصيحة “الموجة الصوتية” لذا قال: {وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين} (هود 67).
أما الفئة الثانية من الناس فكان تعيش خارج البيوت المنحوتة في السهول ولا تؤثر فيها الموجة الصوتية وكانوا يعيشون على قطع من الأرض لها حدود فيها بينها لقوله: {تتخذون من سهولها قصورا} (الأعراف 74). والقصور جاءت من “قصر” أي أن إنسانا ما أخذ قطعة من الأرض ووضع لها حدودا وأصبحت هذه الأرض مقتصرة له، وبدون أن يبني عليها مبنى له جدران فهؤلاء أهلكهم الله بالزلزال، لذا قال: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين} (الأعراف 78).
- الكسب:
هو المردود الإيجابي للعمل لذا قال: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت…الآية} (البقرة 286). أما الاكتساب فهو المردود السلبي للعمل لذا قال عن الكسب لها وعن الاكتساب عليها.
الآن لنلخص معاني المفردات الأربع بالمفهوم الإنساني العاقل، لا بالمفهوم الطبيعي:
- العمل: حركة واعية يبذلها الإنسان العاقل ويحمل معنى العموم هنا وقلنا الإنسان العاقل لنميزها عن العمل الناتج عن الحركة الميكانيكية للأجسام أي المعنى الفيزيائي البحت.
الفعل: هو عمل معرف محدد ويحمل معنى الخصوص “أكل، شرب، ضرب، نام”.
  • الصنع: هو نتاج العمل “أو نتاج تربية”.
  • الكسب: هوا لمردود الإيجابي للعمل.
  • الأجر: هو ما يعطيه رب العمل للإنسان مقابل عمل هو للمأجور كسب.
فنقول إن زيدا من الناس يعمل نجارا ويقوم بالأفعال التالية: يقطع الخشب ويدق المسامير ويلصق الخشب ثم يدهنه فيصنع كرسيا ويكسب نقودا. ونقول ضرب زيد عمرا فاكتسب إثما، فالضرب فعل والإثم اكتساب. فهل هذه المعاني تنطبق على الزراعة؟ لا تنطبق كليا لأنه إذا قلنا إن زيدا من لاناس يعمل في الزراعة فإنه يقوم بالأفعال التالية: يشق الأرض ويبذر البذار ويذر السماد ويقوم هو بعدة أفعال لكي تنتج الأرض المحصول فالإنسان يعمل في الأرض، والأرض هي التي تنتج المحصول لذا قال الله تعالى: {أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} (الواقعة 63-64) فالحرث هو غلة الأرض الزراعية لا شق الأرض الزراعية، لذا فحرث الأرض هو كسب لمن عمل فيها وهو كسب.
فالمزارع يقوم بالأفعال المذكورة لكي تنتج الأرض، لأن الأرض يمكن أن تنتج دون تدخل الإنسان كما نرى في الغطاء النباتي الطبيعي للكرة الأرضية وفيا لبحار. لقد ذكر تدخل الإنسان “بالعمل بالأرض وفي الحرث” لا في الزراعة نفسها. وأن مصطلح الزراعة والصناعة مفصولان عن بعضهما وهذا صحيح، فالإنسان يعمل في الزراعة ويجني الحرث، والأرض تنتج. ويعمل في الصناعة وهو ينتج لذا قال في سورة يس عن خيرات الأرض من النبات: {ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم} (يس 35). هنا قال عن لنبات: {ليأكلوا من ثمره}. ومن عمل الإنسان {وما عملته أيديهم}. أي والذي عملته أيديهم.
لنشرح الآن لماذا فصل القول ولم يعتبره فعلا حيث قال {لم تقولون مالا تفعلون} (الصف 2)، أليس القول فعل يقوم به الفم واللسان والجهاز الصوتي؟ أقول لا ليس هذا بالقول، وإنما هو الكلام. فالكلام فعل وليس قولا فعندما يتكلم الإنسان فيصدر أصواتا هي الكلام وهذا الإصدار حقيقة موضوعية لأنه صوت وهذا ما نسميه بالنطق، فالنطق فعل وحقيقة لذا قال: {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} (الذاريات 23)
ولم يقل مثلما أنكم تقولون، فالنطق للكلمات لا للأقوال لذا قال سليمان: {يا أيها الناس علمنا منطق الطير} (النمل 16) ولم يقل قول الطير.
أما القول فهو عندما تصل الكلمات إلى ذهن السامع فتتحول إلى معنى في الذهن فهذا المعنى هو القول، فالإنسان نطقه حق وليس من الضروري أن يكون قوله حقا. أما الله سبحانه وتعالى فالقول والوجود بالنسبة له واحد لذا قال: {قوله الحق)، وإن الكون كله ما هو إلا عين كلمات رب العالمين لذا قال: {إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} (يس 82).
هل أعمال الإنسان محددة سلفا؟ وما معنى قوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} (الصافات 96).
لاحظ أنه قال “وما تعملون” ليضعها على وجه العموم علما بأن الأفعال هي أعمال معرفة.
ولنأخذ الآن أعمال الإنسان على العموم لنحولها إلى أفعال على الخصوص، ولكن بعد شرح معاني الأفعال التالية في اللسان العربي:
- خلق، سوى، جعل:
1- خلق:
فعل خلق في اللسان العربي له أصلان صحيحان، الأول يعني التقدير قبل التنفيذ كقولنا خلق الخياط القميص من القماش أي قدره قبل القطع. فعندما يأخذ الخياط قطعة القماش ويضع عليها علامات تبين الأكمام والصدر والظهر…الخ قبل القص فهذا يعني أنه يخلق قميصا، وهذا ما نقول عنه في اللغة المعاصرة “التصميم” فعندما نخلق سيارة “نصمم” نخلق الأسطوانة والمكبس وكل قطع المحرك وبقية السيارة، كل هذا الخلق يتم على المخططات طبقا لقوانين الميكانيك والترموديناميك، فكل ما تقوم به السيارة من عمل هو طبقا للتصميم الموضوع “
الخلق” مؤلف من أفعال أولية موجودة في بنية التصميم.
وعندما نقول خلق المهندس بيتا أي وضع له مخططات معماري وإنشائية وصحية وكهربائية قبل التنفيذ، فالله يخلق والإنسان يخلق، ولكن الله أحسن الخالقين كما في قوله تعالى: {فتبارك الله أحسن الخالقين) وذلك لأنه بكل خلق عليم، فالله هو خالق السموات والأرض ولكن الخلق يمكن أن يكون منقولا فليس من الضروري أن كل بيت يخلقه مهندس هو تصميم لا سابق له فإذا كان لا سابقة له فهذا يسمى الإبداع لذا قال: {بديع السموات والأرض} (البقرة 117) أي أن السموات والأرض التي نراها حاليا ليس لها سابقة فالله هو خالق السموات والأرض وهو بديع السموات والأرض.
وهنا يجب أن نفهم بشكل واضح وجلي أن الخلق لا يعني الإيجاد من العدم كما يظن البعض فنرى أنه لا توجد آية واحدة في الكتاب تقول إن الخلق من العدم وإنما من شيء كقوله: {خلق الإنسان من علق} (العلق 2)، فهل العلق عدم؟! وقوله: {إني خالق بشرا من طين} (ص 71). وقوله: {خلقتني من نار وخلقته من طين} (الأعراف 12) وقوله: {ثم كان علقة فخلق فسوى} (القيامة 38) وقوله: {وهو الذي خلق منا لماء بشرا} (الفرقان 54) وقوله: {خلقتني من نار وخلقته من طين} (الأعراف 12) وقوله: {ثم كان علقة فخلق فسوى} (القيامة 38) وقوله: {وهو الذي خلق من الماء بشرا} (الفرقان 54) وقوله: {وبدأ خلق الإنسان من طين} (السجدة 7).
فعندما يذكر فعل خلق فإما أن يقول: من ماذا؟ كالآيات السابق ذكرها، أو لا يقول شيئا كقوله: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} (الأنعام 1). أما لماذا سميت بعض النواحي في السلوك الإنساني أخلاقا وهي من فعل “خلق” هذا فلأن الإنسان في تصميمه “خلق” مهيأ لهذا السلوك فنقول: خلق سيء وخلق حسن، وجاءت في هذا المعنى “الخلاق” وهو ما يستحقه الإنسان نتيجة لسلوك معين فنقول أن زيدا من الناس خليق بكذا وكذا كقوله تعالى: {ما له في الآخرة من خلاق} (البقرة 102). وقوله: {وإنك لعلى خلق عظيم} (القلم4). أما المعنى الثاني لفعل “خلق” هوا لتمليس فنقول صخرة خلقاء أي صخرة ملساء.
2- سوى:
وله في اللسان العربي عدة أصول صحيحة:
أولها: المساواة فنقول أن 3+1=4، ثلاثة مضاف إليها واحد تساوي الأربعة. وفي هذا المعنى جاءت في قوله تعالى: {وقدر فيه أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين} (فصلت 10) أي أن الأرض تعطي أقواتها وخيراتها للذي يعمل فيها ويأخذها كافر أو مؤمن على حد سواء. وقوله: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} (البقرة 6). وبما أن المساواة في المعادلة تكون في الوسط وعلى طرفيها حدود المعادلة فيستنتج منها المعنى الثاني وهو الوسط كقوله تعالى: {فاطلع فرآه في سواء الجحيم} (الصافات 55) هنا سواء الجحيم أي في وسط الجحيم.
أما المعنى الثالث فهو بعد التصميم نقوم بما نسميه بالتسوية فإن أي تصميم “خلق” يحتاج بعده إلى عملية تنفيذ فعلية لتحويل المخطط المخلوق إلى شيء واقعي منفذ على أرض الحقيقة لذا فإن أي تصميم يعقبه تنفيذ مباشر لذا قال: {سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى} (الأعلى 1، 2) فالخلق يعقبه تسوية ولاحظ أن “فاء” التعقيب والسببية جاءت بين فعلين “خلق، سوى”.
والتسوية هي التنفيذ الكامل للتصميم بدون أي نقصان أو عيب فعندما نقول إن زيدا من الناس “إنسان غير سوي”: فيه عيب ونقص. وهكذا نفهم: {فتمثل لها بشرا سويا} (مريم 17) أي أن جبريل تمثل لمريم بصورة بشر سوي لا عيب فيه ولا نقص. ولم تلاحظ مريم أي شيء غير بشري. لاحظ قوله: {بشرا سويا}. ولم يقل إنسانا سويا للتأكيد على كمال الناحية الفيزيولوجية.
وعندما قال الله للملائكة عن خلق البشر أعقبه مباشرة بالتسوية بقوله: {إذ قال ربك للملائكة إن يخالق بشرا من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} (ص 71، 72) فلاحظ كيف أن الخلق هو التصميم الذي أعقبه التسوية “التنفيذ”.
أما المعنى الأخير لفعل “سوى” فهو الاستقرار والتحكم كقوله تعالى: {لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه} (الزخرف 13). فالاستواء على ظهور الأنعام هو عملية الاستقرار عليها، فيمكن للإنسان أن يركب على ظهر الجواد ثم يقع عن ظهره أثناء التذليل. أما الاستواء فهو الاستقرار والتحكم وهكذا نفهم قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} (طه 5).
3- جعل:
وتعني في اللسان العربي انتقالا من حالة إلى حالة أو تغيرا في الصيرورة لشيء موجود فعلا كقوله تعالى: {إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} (الزخرف 3). فهنا “جعل” تدل على أن القرآن كان موجودا فأخذت منه نسخة مترجمة إلى العربية لذا قال: {إنا جعلناه}. ولم يقل “إنا خلقناه” فالجعل يمكن أن يتم بتغيرات أثناء عملية التسوية أو بعدها كقوله عن أحد مراحل التسوية في لأرض {وجعل فيها رواسي من فوقها} (فصلت 10). أي أن الأرض كانت كرة ملتهبة سائلة وتجمد قسم منها وهو القشرة الخارجية لذا قال: {رواسي من فوقها} (فصلت 10).
أي أن الأرض كانت كرة ملتهبة سائلة وتجمد قسم منها وهو القشرة الخارجية لذا قال: {رواسي من فوقها}. وندما قال الله سبحانه وتعالى لإبراهيم: {إني جاعلك للناس إمام} (البقرة 124) أي أن إبراهيم لم يكن إمام للنسا فأصبح إماما لهم، أي أضيفت له صفة صار بها إماما للناس. وقوله تعالى: {وجعلنا منا لماء كل شيء حي} (الأنبياء 30) أي أن الماء يغير في صيرورة الأشياء من كائن غير حي إلى كائن حي وقوله: {ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى} (القيامة 38، 39) لاحظ كيف جاءت الأفعال الثالثة متتالية “خلق، سوى، جعل” هنا جاء التصميم ثم التنفيذ ثم تغير من صيرورة إلى صيرورة أخرى.
ولنعد الآن إلى الموضوع الأساسي وهو قوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون) (الصافات 96). ولنأخذ أعضاء الحركة عند الإنسان:
1 – اليد: تألف من الكف والزند والذراع وفيها عدة مفاصل فإذانظرنا إلى اليد من حيث البنية فنرى أن الأفعال التالية موجودة في تصميم هذه البنية “الخلق”. فنرى أن الكف يحوي في بنيته “خلقه” على إمكانية الحركة باتجاهين متضادين، القبض والبسط وكذلك الأصابع مع مفاصلها تحتوي في بنيتها على مجموعة منالأفعال. وكذلك الذراع والزند يحتويان في بنيتهما على مجموعة من الأفعال، وكل هذه الأفعال الموجودة ضمن مجال حركتها البنيوي عبارة عن أضداد قاليد اليمنى واليد اليسرى أزواج والحركات ضمن اليد اليمنى واليسرى أضداد، فالقبض والبسط في الكف وعملية الكب والاستلقاء في الزند وعملية الرفع والتنزيل في الزند وفي الذراع وعملية الحركة إلى الأمام والخلف في الذراع… وهكذا دواليك وكذلك الأرجل ففي بنيتها تحوي أفعالا وتوجد فيها أفعال على شكل أضداد “الوقوف والمشي” وفي الحوض والأرجل “الجلوس والنهوض”.
وكذلك الأعين عين يمنى وعين يسرى “أزواج” فيها تدخل إمكانية العمى والبصر “أضداد” والأذن فيها إمكانية الصمم والسمع واللسان فيه إمكانية البكامة والكلام والبلعوم فيه إمكانية التقيؤ والبلع.
فإذا أراد الإنسان أن يقوم بعمل ما على وجه العموم فإن هذا العمل يتألف من مجموعة منا أفعال الأولية على وجه الخصوص وإمكانية هذه الأفعال موجودة في بنيته فلا يستطيع أي إنسان أن يمضغ الطعام برجليه ويمشي بأسنانه.
فكل أفعال الإنسان التي يقوم بها على وجه الخصوص للقيام بعمل على وجه العموم هي ممكنة التنفيذ في بنيته “خلقه” وعلى هذا فالإنسان لا يخلق ولا يستطيع أن يخلق أي فعل غير موجود في بنيته أو في الطبيعة. فرب سائل يقول إن الإنسان صنع السيارة والصاروخ والغواصة والرافعة والطائرة والأ>وية. أقول إن الإنسان صنع هذه الأشياء من قوانين موجودة في الطبيعة، فالإنسان صنع الطائرة نتيجة استيعابه لقواني الطيران الموجودة فعلا في الطبيعة والتي شاهدها أولا من خلال الطيور والحشرات الطائرة لذا فقد سمى القرآن ظواهر الطبيعة {آيات الله}. فالإنسان بعد أن عرف هذه الأفعال الموجودة بالإدراك الفؤادي أولا، ثم بالتجريد العقلي “القوننة” وصل إلى ظاهرة الإبتكار والتخيل فقلد أفعال الطبيعة وأبدع فيها وسخرها لمصلحته “للإعمار أو الدمار” وابتكر آلاف الأدوات والتجهيزات الجديدة، لذا لم يقل أبدا في الكتاب “والله خلقكم وما تصنعون” بل قال: {إن الله عليم بما يصنعون} (فاطر 8).
وقال: {إن الله خبير بما يصنعون} (النور 30). فكل ما ذكر سابقا عن الأفعال ووجودها في الطبيعة هي حقيقة موضوعية موجودة خارج الوعي الإنساني “حق” وهي تعتبر من قوانين القدر “الوجود”.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو دور الإنسان في هذا وأين الخيار والحرية للإنسان؟ أي أين قضاء الإنسان؟ وما علاقة الإنسان بقوانين القدر القائمة في ظواهرها على الأضداد وفي ذاتها على المتناقضات الأزواج “التأثير والتأثر المتبادل”؟
الجواب هو أن العلاقة تتحدد حصرا بالمعرفة فعندما عرف الإنسان قوانين القدر في الدورة الدموية وفي دورة الدم في القلب والشرايين استطاع أن يقضي فيها وذلك بالعمليات الجراحية وبالتالي زادت حريته فيما يتعلق بهذا الموضوع. وعندما عرف قوانين الطيران استطاع أن يصمم الطائرة وينتجها وبالتالي ازدادت درجة حريته في التنقل، وعندما عرف قوانين الكيمياء زادت درجة حريته في اختراع الأدوية… وهكذا دواليك، فالإنسان يتعلم ظواهر الطبيعة والأفعال المقدرة فيها لكي يمارس القضاء من خلالها حيث أن حريته تكمن فيهما معا.
فالموت قدر والقتل قضاء ولولا الموت لما كان هناك قتل. ووجود إمكانية الضرب باليد قدر والقيام بعملية الضرب قضاء وهذا نراه في قوله تعالى: {هو يحي ويميت} (يونس 56). “قدر إلهي”. وقوله: {لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك} (المائدة 28) “قضاء إنساني”.
فكلما زاد جهل الإنسان بالمقدرات زاد شعوره بالجبرية، فالإنسان يطلب الأشياء حسب معرفته لها، والذي لا يعرف شيئا لا يطلب شيئا لذا قال: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} (الأنفال 22) فمثلا كان الإنسان سابقا يظن أن وجوده على الأرض وجود جبري، ولكن عندما عرف قوانين الجاذبية وقوانين الطيران والدفع الصاروخي تخطى هذه الجبرية فأصبح يخرج من الأرض ثم يعود إليها.
لنضع الآن تعريفا للقضاء والقدر والحرية:
  1. القدر: هو الوجود الموضوعي للأشياء وظواهرها خارج الوعي الإنساني.
  2. القضاء: هو ظاهرة تتمثل في السلوك الواعي “إرادة إنسانية” قائم على الحركة بين الأضداد، أي سلوك بين نفي وإثبات في ظواهر الوجود “القدر”.
فالقضاء الإنساني المتحرك دائما يتولد من القدر من خلال المعرفة المتحركة دائما “والتي تعتبر المقادير أعلى شكل للتعبير عنها”.
وبما أن المعرفة الإنسانية لظواهر الوجود متحركة دائما إلى الأعلى وبالتالي فالقضاء الإنساني متحرك دائما إلى الأعلى.
هذه التعاريف يمكن أن نمثلها بالشكل الرمزي التالي:
p1-434 فكلما زادت معرفة الإنسان بالقدر زاد قضاؤه وبالتالي زادت حريته وانخفض مفهوم الجبرية عنده. فالقضاء دون قدر وهم وأحلام يقظة “لا موضوعية”، والقدر دون قضاء جهل ورجعية أو رجوع إلى المملكة الحيوانية.
من هذا التعريف للقضاء والقدر نستطيع ن نضع تعريفا جامعا مانعا للحرية والتقدمية:
1 – الحرية: هي إرادة إنسانية واعية دائمة الحركة بين النفي والإثبات في الأضداد “ظواهر الوجود”.
P1-435-1
فالسؤال الآن: كيف بدأت حرية الإنسان “الومضة الأولى للحرية”؟ بدأت هذه الومضة الأولى مع بداية المعرفة الإنسانية وهذه الومضة جاءت مع نفخة الروح وهي الحلقة المفقودة بين البشر “المملكة الحيوانية” والإنسان وقد تم شرحها في مقال سابق.
ولنعبر عن هذا الانتقال بالمعادلات التالية:
P1-435-2من هذا التعريف نرى أن ظاهرة الحرية لها مركبتان: المركبة الأولى موضوعية وهي الوجود الموضوعي للأشياء وظواهرها. والمركبة الثانية ذاتية وجاءت من نفخة الروح وهي المعرفة التي نتج عنها إرادة واعية. فأول شيء مارسه آدم بعد المعرفة مباشرة هو الحرية، وكانت هذه الحرية في معصية أمر الله. لذا فإن الذي يطلب الحرية لا يطلب وهما ولا يعيش في وهم، وإن أحد الأسباب الرئيسية لمعاداة العرب للنبي صلى الله عليه وسلم هو الجهل لذا كان الني صلى الله عليه وسلم يدعو بقوله “اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون”.
أما التعريف القائل إن الحرية هي “وعي الضرورة” فهو تعريف ناقص، فوعي الضرورة لا يكفي لممارسة الحرية حيث أن هذا الوعي والذي أطلقنا عليه مصطلح المعرفة بالموجودات هو شرط لازم غير كاف لممارسة الحرية حيث قلنا إن الحرية ظاهرة وليست شيئا. لذا فإنها تقوم على الأضداد.
فحتى يمارس الإنسان حريته يجب ن يكون هناك مجال للاختيار بين ضدين أي مجال للنفي والإثبات وهنا يكمن سر جدل الإنسان في الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية. فحتى يتحقق جدل الإنسان في الفكر يجب أن يكون هناك الفكر والفكر المضاد والرأي والرأي المضاد “جدل غير متخاصم” وهذه الخاصية تعتبر أهم خاصية في المجتمعات الإنسانية الحرة المتحضرة.
وإذا سأل سائل: ما هي وحدة الفكر والفكر المضاد في المجتمعات المتحضرة؟ أقول: وحجتهما هي البحث عن الحقيقة في المعرفة والوطنية في السياسة والاقتصاد.
2 – التقدمية: بما أن المعرفة الإنسانية هي معرفة صاعدة إلى الأعلى وغير ثابتة وتحمل مفهوم النسبية، لذا فإن التقدمية هي الانتقال من درجة في الحرية كيفا وكما إلى درجة أعلى في كل نواحي الحياة. وإذا فقدت هذه الخاصية في رفع الحرية كما وكيفا للناس فقد فقدت أهم مبررات وجودها.
الآن لننتقل إلى تصحيح بعض الأخطاء الشائعة:
1 – إنه من الخطأ الفاحش عندما نعجز عن تفسير ظاهرة ما، كأن يقع إنسان ما من على السطح ويموت فنقول مات قضاء وقدرا. لأن قولنا مات قضاء وقدرا يعني أنه قتل عمدا من قبل شخص ما لا نعرفه والصحيح أن نقول مات قدرا. وكما قلت كلما زاد جهل الإنسان بالمقدرات زاد الجانب الجبري “القدري” في قناعاته وتصرفاته، لذا كلما زاد جهل الناس زاد تفسيرهم الجبري للأحداث وهذا شائع جدا في الوطن العربي حيث يرد كثير من الناس كثيرا من الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والمرضية بقولهم “هذا مكتوب علينا” ويظنون أن هذه القناعة هي جزء أساسي منا لعقيدة الإسلامية وهي ليست أكثر من سذاجة.
2 – كلما زاد جهل الإنسان بقوانين الطبيعة والإجتماع والاقتصاد زاد ربطه للأحداث بمفهوم الصدفة وأكبر جهل يمكن أن يرتكبه إنسان هو أن يعزو ظهور الحياة على الأرض وظاهرة الإنسان إلى الصدفة.
3 – إن الإنسان مخير وحر في اختياره لكل أفعاله من خلا لعالم الحقيقة لا الوهم والناس ولدوا أحرارا مسلمين والذي يقيد الإنسان في اختياره هو أمران:
  1. المرجع الأخلاقي والمعرفي والجمالي والذي يعتبر المرجع القانوني امتدادا له.
  2. الإرهاب “الإكراه”.
فالأمر الأول يقبل به الإنسان العاقل المتحضر من وازع وجداني وإنساني بحت “التقوى” ومن وازع بشري بحت “الخوف من العقوبة”. أما الأمر الثاني فلا يستعمل إلا مع البهائم.
  • الخلاصة:
إن أساس العقيدة الإسلامية فيما يتعلق بالأعمال والأرزاق والأعمار بالنسبة للإنسان هو أن الله لم يحدد سلفا عمر الإنسان ورزقه وعمله، وإنما حدد سلفا القوانين الموضوعية “الكتب” التي من خلالها يولد الإنسان ويحيا ويموت “يطول عمره أو يقصر” والقوانين الموضوعية التي من خلالها يرزق الإنسان، والقوانين الموضوعية التي من خلالها يعمل الإنسان.
والإنسان حرفي اختياره من خلال هذه القوانين، ولا يحد اختياره إلا أمران: المرجعية المعرفية والأخلاقية والجمالية والعرفية أو الإكراه. وإن تدخل الله في قضائه في هذه الأشياء هو تدخل ظرفي “المشيئة” مرهون بموقف الإنسان وبالظروف الموضوعية التي يوجد فيها: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} (الرعد 11).
وإن قضاء الله هو إما أمر ضد النهي فأعطى فيه القانون الأخلاقي والتشريعي “الذاتي”. أما قضاؤه من خلال أمر نافذ وغير مبرم منذ الأزل إنما هو ظرفي لذا قال: {إذا أراد} وتدخله من خلال كلماته، وكلماته هي الوجود، والقوانين الموضوعية للأشياء خارج الوعي. وبما أن الله كامل المعرفة فهو الحر المطلق بهذه القوانين يتدخل فيها لمصلحة الإنسان أو ضده. وبما أن الإنسان ناقص المعرفة فهو ذو تصرف نسبي بهذه القوانين، وبالتالي فحريته نسبية وتزداد بازدياد معرفته لهذه القوانين الموضوعية، وكلما زادت معرفته بهذه القوانين زاد قربا من الله تعالى.
الديموقراطية:
بعد أن عرفنا الحرية والتقدمية ننتقل إلى تعريف الديموقراطية. الديموقراطية: هي ممارسة الحرية من قبل مجموعة من الناس ضمن علاقات معينة وفقا لمرجعية معرفية وأخلاقية وجمالية وعرفية. فنقول إن الله حر ولكنه غير ديموقراطي، لأن ديموقراطيته تتطلب آلهة مثله لكي يمارس حريته بالاتفاق معها ضمن مرجعية ما، وفي هذا المجال قال: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} (الأنبياء 22). وقوله: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} (الإسراء 42) وهنا قوله: {لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا}. أي لابتغوا إلى ذي السلطة بينهم أي المرجع.
لنورد الآن بعض الأمثلة على أنواع المرجعية:
1 – المرجعية المعرفية: إن الأرضية العلمية وتقدما لمعارف بالموجودات “الطب، الفيزياء، الكيمياء، علم الإحصاء…الخ” تعطينا يوميا معلومات جديدة عن قوانين الوجود “القدر” وبالتالي تنمو معلوماتنا عن الضار والنافع في الموجودات. هذه المعلومات المتطورة تعطينا أرضية للقيام بتشريعات تحد من حرية الإنسان وأكبر مثال على ذلك “التلوث، التدخين، المواد السامة، المخدرات” حيث تم سن التشريعات هذه طبقا لأرضية معرفية بحتة، لا طبقا الأرضية أخلاقية وعليه فإن تقدم المعارف ينعكس على تطور التشريع بالضرورة، وهذه إحدى الصفات الحنيفية في الإسلام “انظر مبحث الاستقامة والحنيفية في الباب الثالث”.
2 – المرجع الأخلاقي: هذا المرجع هو من المراجع التي تحمل صفة الثبات في الإسلام وهي تحمل الصفة الكونية مثل الصدق والكذب وشهادة الزور وتحريم قتل النفس والوفاء بالكيل والميزان وحنث اليمين، وهذا المرجع الأخلاقي هو من المراجع التي لا تحمل صفة التطور وهو أحدا لصفات المستقيمة في الإسلام ويتمثل فيا لفرقان “الوصايا العشر” “انظر مقالتي حول الوصايا العشر في الباب الثالث”.
3 – المرجع الجمالي: هذا المرجع يحمل الصفة المتطورة حيث مفاهيم الإنسان عنا لجمال ضمن المفاهيم المتطورة “انظر مبحث الجمال في الباب الرابع” مثل أشكال اللباس والهندام.
4 – المرجع العرفي: وهوا لمرجع الذي يتبع أعراف المجتمع الذي يعيش فيه الإنسان. فهذه الأعراف تختلف من مكان لآخر، ومن زمان لآخر، وهو يتبع الجانب الحنيفي في الإسلام ” انظر مقالتي حول المعروف والمتنكر في الباب الثالث”.
هذه المراجع الأربعة أضيف إليها في الإسلام مرجع خامس وهو الأحكام التي جاءت في الكتاب تحت بند “حدود الله” كالإرث… فهذا التشريع فيه حد من الحرية.
أنواع الحرية:
بما أن الحرية تدخل تحت بند جدل الإنسان وهي خاصة إنسانية بحتة تمارس م خلال المجتمعات الإنسانية وفق المرجعية المذكورة أعلاه، فلها عدة أشكال رئيسية تعبر عن ذاتها فيها. ونذرك منها واحدة فقط وهي حرية الفكر والرأي حيث أن بقية أنواع الحرية تبحث في مفهوم الدولة والمجتمع والقانون.
حرية الفكر وحرية التعبير عنه:
وهي أهم أنواع الحرية الإنسانية قاطبة، إذ أن الفكر والتعبير عنه هو أهم صفة مميزة للإنسان عنا لبهائم ويتجلى دائما في حرية الرأي والرأي المضاد وحرية الفكر دائما تقاس بالميزان المضاد لها. فحرية الفكر عند إنسان ما تقاس بمقدار ما يسمح للفكر المضاد له بالتعبير عن نفسه ولا تقاس بالمقدار الذي يسمح لنفس بالتعبير عن ذاته. أي يجب علينا دائما أن نقيس حرية الفكر بحرية الفكر المضاد.
وبما أن الحرية هي حركة واعية بين ضدين فيجب أن يكون هناك الضدان حتى نول إن هناك حرية أصلا. هذه الحرية هي من نتاج جدل الإنسان وهي ظاهرة مميزة للمجتمعات الإنسانية. وإن حرية الفكر والفكر المضاد لها وحدة هي البحث عن الحقيقة بالنسبة للوجود، وكلاهما يبحث عن الحقيقة ولا يقيد هذه الحرية إلا منهج البحث العلمي. وحرية الرأي والرأي المضاد في المجتمعات لها وحدة هي الوطنية ولا تقيدها إلا المفاهيم الوطنية التي تعتبر مرجعية هذه الحرية والتي يعبر عنها بالدستور.




 الأعمار والأرزاق والأعمال    الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة  د شحرور

 
 

ملاحظة :
;ان الدعاء الذي لا يصحبه العمل يصبح كاذب و خادع
(تعليق أبوسام)

 
































صرت أدعى رافضيا - الشاعر الشيخ أحمد الدر العاملي

*