كانت الرواية في أول
الإسلام منهي عنها، ثم أذن رسول الله
r بالنقل عنهم فيما لا يتعارض مع ما عندنا. ولذلك لا
نصدقهم ولا نكذبهم. والأفضل عدم النقل عنهم. لأننا نعلم يقيناً أنه إذا كان ما
ننقله عنهم فيه هدى فعندنا خير منه. وما كان من ضلالة فنحن بغنىً عنه. وأما التفاصيل
الدقيقة كعدد أهل الكهف ولون كلبهم وغير ذلك، فليس من وراءه أي فائدة تذكر. وقد
قال الله تعالى: {وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً} (الكهف: من الآية22).
المكثرون في الأخذ عن
الإسرائيليات
ذكر بعض
أهل العلم أنهم على ثلاث مراتب من حيث الإكثار وعدمه:
المرتبة الأولى:
المكثرون جداً وهم: كعب الأحبار، ثم وَهَب بن منبه، وابن جريج، وابن إسحاق، والسدي
الكبير الكذاب (وهو أكثرهم رواية للإسرائيليات).
المرتبة الثانية: دونهم
في النقل وهم: قتادة، وسعيد بن جبير، ومحمد بن كعب القرظي (ثقة عالم بالتفسير، و
جَدّه من اليهود).
المرتبة الثالثة:
المقلون نسبياً في النقل عنهم وهم: مجاهد، وابن عباس.
يضاف لذلك مرتبة رابعة:
المكثرون في النقل لكنهم كذابين في النقل كذلك، مما يرجح كون تلك الإسرائيليات من
اختراعهم لا من نقل اليهود. من هؤلاء: محمد بن السائب الكلبي (شيعي سبئي يهودي
النزعة، وضاع للحديث)، وتلميذيه مقاتل بن سليمان ومحمد بن مروان السدي الصغير.
أهم الذين رووا عن أهل
الكتاب
الصحابي الجليل عبد
الله بن سلاّم: وكان صحابياً جليلاً لا ينقل باطلاً. وقد أسلم عند مقدم النبي r المدينة، وشهد له النبي r بالجنة، كما ثبت
في الصحيحين وغيرهما. وحَدَّثَ عن النبي r قليلاً جداً. وقلّما روى عن كتب أهل
الكتاب. وكان حبر اليهود وأعلمهم كلهم بشهادتهم. فما ثبت عنه من ذلك فهو مُصَدَّقٌ
به حتماً، وإن لم يوجد في كتب أهل الكتاب الآن، إذ قد ثبت أن كثيراً من كتبهم
انقرض. ولا يُسيء الظن بعبد الله بن سلام t إلا جاهل أو مكذب لله ورسوله.
كعب الأحبار: تابعي
أصله يهودي، هلك في أخر خلافة عثمان. ينقل كثيراً عن أهل الكتاب، وهو المصدر
الأصلي لأكثر الروايات الإسرائيلية التي تجدها في كتب التفسير، والتي نقلها عنه
الكثير من التابعين، لكن ربما لم ينسبوها إليه دائماً. والراجح أنه أسلم في خلافة
عمر. قال عنه العلامة المعلمي في "الأنوار الكاشفة": «لكعب ترجمة في
تهذيب التهذيب، وليس فيها عن أحد من المتقدمين توثيقه، إنما فيها ثناء بعض الصحابة
عليه بالعلم. وكان المِزِّيّ عَلَّمَ عليه علامة الشيخين، مع أنه إنما جرى ذكره في
الصحيحين عرضاً لم يُسنَد من طريقه شيء من الحديث فيهما. ولا أعرف له رواية يحتاج
إليها أهل العلم. فأما ما كان يحكيه عن الكتب القديمة، فليس بحجة عند أحد من
المسلمين، وإن حكاه بعض السلف لمناسبته عنده لما ذكر في القرآن». وقال: «هذه كتب
الحديث والآثار موجودة، لا تكاد تجد فيها خبراً يروى عن كعب عن النبي r. فإن وُجِدَ، فلن تجده إلا
من رواية بعض التابعين عن كعب، ولعله مع ذلك لا يصح عنه. وكذا روايته عن عمر. وكذا
روايته عن صهيب وعائشة مع أنه مات قبلها بزمان. وعامة ما روي عنه حكايات عن أهل
الكتاب ومن قوله».
روى مالك في الموطأ
(1|109) بإسناد متصل في قصة طويلة أن أبا هريرة
t أخبر كعب الأحبار بأن رسول الله r قال عن يوم الجمعة: «وفيه ساعة، لا
يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً، إلا أعطاه إياه». فقال كعب: «ذلك في
كل سنة يوم»! فرد عليه أبو هريرة
t وقال: «بل في كل جمعة» (أي كما أخبر رسول الله r). وقال عبد الله
بن سلام t: «كَذَبَ كعب». فقرأ كعب التوراة فقال: «صدق رسول الله r. هي في كل جمعة». فقال عبد الله بن
سلام t: «صدق كعب».
فالملاحظ أن كعب
الأحبار، سارع بتكذيب حديث رسول الله
r بوقاحة رغم أن الصحابي الجليل الحافظ أبا هريرة t هو الذي يحدثه
به. ومع العلم أن الحديث موافق لما في التوراة كما أكد الصحابي الصادق عبد الله بن
سلام t، وقد كان قبل إسلامه أعلم أحبار اليهود
باعترافهم. فلما وجد كعب نفسه محصوراً، فأبو هريرة t أصر على رواية الحديث كما هو، ولم
يبال بزعم كعب الأحبار. وأما عبد الله بن سلام t فاتهمه بصراحة بالكذب. فلما وجد نفسه
محصوراً وخاف أن يُكشَفَ أمره، تراجع وقال «صدق رسول الله r». لكن كيف؟ لأنه وجد في التوراة
اليهودية ما يوافق ما جاء عن رسول الله
r. قاتلك الله يا كعب. وهل يحتاج المؤمن إلى الرجوع إلى
التوراة المحرّفة حتى يُصَدِّق رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ أهذا مبلغ إسلامك
يا كعب؟
وقال ابن جرير الطبري
في تفسيره (22|144): حدثنا ابن بشار قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا سفيان عن الأعمش
عن أبي وائل قال جاء رجل إلى عبد الله (بن مسعود
t). فقال (ابن مسعود): «من أين جئت؟». قال: «من الشام».
قال: «من لقيت؟». قال: «لقيت كعباً». فقال: «ما حدثك كعب؟». قال: «حدثني أن
السماوات تدور على منكب ملك». قال: «فصدقته أو كذبته؟». قال: «ما صدقته ولا
كذبته». قال (ابن مسعود): «لوددت أنك افتديت من رحلتك إليه، براحلتك ورحلها. و
كَذَبَ كعب! إن الله يقول: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن
أمسكهما من أحد من بعده}». قال ابن كثير في تفسيره (3|562): «وهذا إسناد صحيح إلى
كعب وإلى ابن مسعود t». قلت: هو في غاية الصحة. ثم ذكر ابن جرير إسناداً آخر بنحوه،
إلا أن ابن مسعود قال عن كعب: «ما تَنَتكت اليهودية في قلب عبد فكادت أن تفارقه».
وفي تفسير القرطبي (14|357): نفس السياق إلا أن عبارة ابن مسعود t هي: « كذب كعب.
ما ترك يهوديته». والمعنى نفسه.
وقال ابن حجر في
الإصابة (5|650): أخرج ابن أبي خيثمة بسندٍ حسنٍ عن قتادة قال: بلغ حذيفة أن كعباً
يقول "أن السماء تدور على قطبٍ كالرحى"، فقال (حذيفة t): «كذب كعب! إن الله يقول:
إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا». ا.هـ.
وروى البخاري في الصحيح
(6|2679 #7361): أن معاوية t قال عن كعب الأحبار: «إنْ كان من أصدَقِ هؤلاء المحدِّثين
الذين يحدِّثون عن أهل الكتاب، وإن كُنّا –مع ذلك– لنَبلو عليه الكذب». قال صاحب
المنار: «إن قول معاوية طعنٌ صريحٌ في عدالته وفي عدالة جمهور رواة الإسرائيليات،
إذ ثبت كذب من يُعَدُّ من أصدقهم. ومن كان مُتقنًا للكذب في ذلك، يتعذر أو يتعسر
العثور على كذبه في ذلك العصر. إذ لم تكن كتب أهل الكتاب منتشرة في زمانهم بين
المسلمين كزماننا هذا. فإن توراة اليهود بين الأيدي، ونحن نرى فيما رواه كعب ووهب
عنها ما لا وجود له فيها البتة على كثرته، وهي هي التوراة التي كانت عندهم في
عصرهما. فإن ما وقع من التحريف والنقصان منها قد كان قبل الإسلام، وأما بعده فجل
ما وقع من التحريف هو المعنوي بحمل اللفظ على غير ما وضع له واختلاف الترجمة. ولا
يعقل أن تكون هذه القصص الطويلة التي نراها في التفسير والتاريخ مروية عن التوراة،
قد حذفت منها بعد موت كعب ووهب وغيرهما من رواتها. فهي من الأكاذيب التي لم يكن
يتيسر للصحابة والتابعين ولرجال الجرح والتعديل الأولين العثور عليها». وقال كذلك:
«والقول الفصل في هذه المسألة أن المتبادر من عبارة معاوية -الذي يفهمه كل من يعرف
اللغة العربية من إطلاقها-، أن الضمير راجع إلى كعب الأحبار نفسه، كما فسرها ابن
حجر والقسطلاني والجمهور، وذلك أن الكتاب لم يذكر في العبارة عمدة مستقلاً فيعود
عليه الضمير، وإنما ذكر مضافًا إليه كلمة أهل».
ومن هذا نستنتج أن كعب
هذا بقيت العقائد اليهودية الفاسدة متأصلة في قلبه. وكان كثير من الصحابة يجدون
هذا، فيُحَذّرون منه، ويعلنون للناس أن اليهودية باقية في قلبه. ويتهمونه كذلك
بالكذب الصريح. بل بعضهم يطلق الكذب مقابل الصدق، مما يعني أنهم يقصدون التعمد
بالكذب، وليس مجرد الخطأ، كما زعم بعض المدافعين عن ابن اليهودية.
وهب بن منبه: ولد في
الإسلام سنة 34هـ وهلك سنة 114، وأدرك بعض الصحابة. ولم يعرف أن أحداً منهم سمع
منه أو حكى عنه، وإنما يحكي عنه من بعدهم. قال رشيد رضا: «ضعفه عمر بن الفلاس،
واغترًّ به الجمهور (قلت: لم يوثقه إلا أبا زرعة والنسائي، فلا يقال اغتر به
الجمهور)؛ لأن جلّ روايته للإسرائيليات. ولم يكونوا يدققون النظر في نقدها تدقيقهم
في نقد روايات أصول الدين وفروعه. وقلّما كان أحد من رجال الجرح والتعديل يعرف
شيئًا من كتب أهل الكتاب ليصح حكمه على الرواة عنها. على أن البخاري رحمه الله
تعالى لم يَروِ عنه حديثًا في صحيحه مرفوعًا ولا قصة إسرائيلية، ولا مسألة علمية».
قال الحافظ ابن كثير في
تفسيره، في كعب الأحبار وفي وهب بن منبه: «سامحهما الله تعالى فيما نقلاه إلى هذه
الأمة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب، مما كان ومما لم يكن،
ومما حُرِّفَ وبُدّل ونسخ». وروى عنه الطبري أنواعاً من الإسرائيليات تكفي للتدليل
على أن ثقافة وهب يهودية تلمودية. فمما رواه في تاريخه (1|343) عن ابن معقل أنه
سمع وهب بن منبه يقول : «إن داود أراد أن يعلم عدد بني إسرائيل كم هم؟ فبعث لذلك
عرفاء ونقباء وأمرهم أن يرفعوا إليه ما بلغ عددهم ، فعتب الله عليه ذلك وقال: قد
علمت أني وعدت إبراهيم أن أبارك فيه وفي ذريته حتى أجعلهم كعدد نجوم السماء
وأجعلهم لا يحصى عددهم، فأردت أن تعلم عدد ما قلت إنه لا يحصى عددهم، فاختاروا بين
أن أبتليكم بالجوع ثلاث سنين أو أسلط عليكم العدو ثلاثة أشهر أو الموت ثلاثة أيام!
فاستشار داود في ذلك بني إسرائيل فقالوا ما لنا بالجوع ثلاث سنين صبر، ولا بالعدو
ثلاثة أشهر، فليس لهم بقية، فإن كان لا بد فالموت بيده لا بيد غيره. فذكر وهب بن
منبه أنه مات منهم في ساعة من نهار ألوف كبيرة لا يدرى ما عددهم! فلما رأى ذلك
داود شق عليه ما بلغه من كثرة الموت فتبتل إلى الله ودعاه فقال: يا رب أنا آكل
الحماض وبنو إسرائيل يضرسون! أنا طلبت ذلك فأمرت به بني إسرائيل فما كان من شيء
فبي واعف عن بني إسرائيل. فاستجاب الله له ورفع عنهم الموت، فرأى داود الملائكة
سالين سيوفهم يغمدونها يرتقون في سلم من ذهب من الصخرة إلى السماء، فقال داود: هذا
مكان ينبغي أن يبنى فيه مسجد. فأراد داود أن يأخذ في بنائه فأوحى الله إليه أن هذا
بيت مقدس وأنك قد صبغت يدك في الدماء فلست ببانيه، ولكن ابن لك أملكه بعدك أسميه
سليمان أسلمه من الدماء، فلما ملك سليمان بناه وشرفه!». أقول: إن أي مسلم يدرك أن
إهانة الأنبياء بهذه الطريقة هي عقيدة يهودية مرذولة، فكيف يغفل عن ذلك وهب بن
منبه؟ أفما يتقي الله!
وروى له الطبري (1|337)
قصة طويلة عن طالوت وجالوت، مخالفة لسائر المفسرين. فقال الطبري معلقاً عليها:
«وفي هذا الخبر بيان أن داود قد كان الله حَوَّلَ المُلك له قبل قتله جالوت، وقبل
أن يكون من طالوت إليه ما كان من محاولته قتله. وأما سائر من روينا عنه قولاً في
ذلك، فإنهم قالوا إنما ملك داود بعد ما قتل طالوت وولده». قلت: وهذا يدل على أنه
غير صادق في نقله عن الإسرائيليات.
جاء في تهذيب الكمال
(31|147): قال حماد بن سلمة: عن أبي سنان: سمعت وهب بن منبه يقول: «كنت أقول
بالقدر (أي بنفيه)، حتى قرأت بضعة وسبعين كتاباً من كتب الأنبياء في كلها: من جعل
إلى نفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر، فتركت قولي». ويقصد وهب بن منبه بكتب
الأنبياء: كتب بني إسرائيل المنسوبة إلى الأنبياء. فهذا اعتراف صحيح منه أنه بقي
يأخذ عقائده من كتبهم المحرفة. قال رشيد رضا تعليقاً على هذه المقولة:
(أولاًً)
إن كتب الأنبياء التي بأيدي أهل الكتاب لا تبلغ هذا العدد.
(ثانيًا) إننا
تصفحنا أشهرها فلم نجد هذا القول فيها، ولا رأينا أهل الكتاب ينقلونه في مجادلاتهم
في هذه المسألة.
(ثالثًا) إن هذا
القول باطل قطعًا بدليل الآيات الكثيرة في القرآن، المثبتة لمشيئة الإنسان، كقوله
تعالى: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف: 29) {لِمَن
شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} (التكوير: 28) {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} (فصلت:
40) {فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ} (النور: 62) { لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن
يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} (المدثر: 67) وفي معنى الآيات أحاديث كثيرة أيضًا،
ولا ينافي هذه الآيات قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ}
(الإِنسان: 30)، بل يقررها ويؤكدها إذ هو صريح في أن الله تعالى شاء أن يكون للبشر
مشيئة خلقها لهم فيما خلقه من صفاتهم وغرائزهم وقواهم.
(رابعًا) إن
وهبًا قد انتقل من بدعة القدرية إلى بدعة الجبرية التي هي شر منها وأضر، وأدهى
وأمر، فهي التي أماتت قلوب المسلمين وهممهم التي فتحوا بها البلاد، ودكوا بها
الأطواد، وأرضتهم بالذل والهوان، وتعبدتهم للظلمة منهم، ثم للمستعبدين لهم من
غيرهم. اهـ.
وروى ابن سعد عن وهب
قوله: «لقد قرأت ثلاثين كتاباً، نزلت على ثلاثين نبياً». قلت: أنزلت التوراة على
موسى، والزبور على داود، والإنجيل على عيسى، والقرآن على محمد، عليهم صلوات الله
وسلامه. فما هي الكتب الباقية التي يستمدّ منها وهب بن منبه عقائده؟ أرجو أن لا
يكون من بينها التلمود الذي اخترعه حكماء صهيون ونسبوه افتراءً لموسى عليه السلام.
بل له دفاع عتيد بغير
حق عن كتب اليهود، فيقول مثلاً: «إن التوراة والإنجيل كما أنزلهما الله تعالى! لم
يُغير منهما حرف. ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل، وكتب كانوا يكتبونها من عند
أنفسهم {وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ}.
فأما كتب الله فإنها محفوظة ولا تحول»، رواه ابن أبي حاتم. قال ابن كثير: «فإن عنى
وهب ما بأيديهم من ذلك، فلا شك أنه قد دخلها التبديل والتحريف والزيادة والنقص،
وأما تعريب ذلك المشاهد بالعربية ففيه خطأ كبير وزيادات كثيرة، ونقصان ووهم فاحش،
وهو من باب تفسير المعرب المعبَّر. وفهْمُ كثير منهم -بل أكثرهم، بل جمعيهم- فاسد.
وأما إن عنى كتب الله التي هي كتبه من عنده، فتلك كما قال محفوظة لم يدخلها شيء».
أقول لا ريب أن وهباً يتكلم عن التوراة والإنجيل الموجودين في الأرض لا عن اللوح
المحفوظ، فلا شك إذاً أنه كاذب في دعواه.
مع العلم أن بنو منبه
أصلهم من خراسان من هراة (شرق أفغانستان)، خرج منبه منها إلى فارس أيام كسرى.
وغالب الظن أن أصله من اليهود الذين استقروا في خراسان. ومن البديهي أن يخفي ذلك
ولا يُبديه. فإن المجوس لم يكن عندهم أي علم بكتب اليهود ولم تكن التوراة مترجمة
للعربية ولا للفارسية، لا سيما مع زعم وهب أنه اطلع على كتب كثيرة غير التوراة، فلا
شك بإلمامه بالعبرية. يقول رشيد رضا عن وهب وكعب: «إنهما كانا كثيرا الرواية
للغرائب التي لا يُعرف لها أصل معقول ولا منقول. وإن قومهما كانوا يكيدون للأمة
الإسلامية العربية: فقاتِلُ الخليفة الثاني فارسي مُرسَل من جمعية سرية لقومه،
وقتلة الخليفة الثالث كانوا مفتونين بدسائس عبد الله بن سبأ اليهودي. وإلى جمعية
السبئيين وجمعيات الفرس ترجع جميع الفتن السياسية وأكاذيب الرواية في الصدر الأول».
يروي عنه التفسير عدة
من أقاربه:
- إسماعيل بن
عبد الكريم (ثقة) عن عمه عبد الصمد بن معقل بن منبه (ثقة) عن عمه وهب بن منبه.
- عبد المنعم بن
إدريس بن سنان اليماني (كذاب يضع الحديث)، عن أبيه (ضعيف) عن جده وهب بن منبه.
- سلمة بن الفضل
(ثقة عن ابن إسحاق، ليّن عن غيره)، عن محمد بن إسحاق (جيد)، عن مجهول، عن وهب بن
منبه. وقد أكثر الطبري من هذا الطريق من طريق شيخه ابن حميد (كذاب).
ابن جريج: من أتباع
التابعين، أصله من أبيه رومي نصراني. ولا يبدو أنه كان عالماً أصلاً بكتب أهل
الكتاب. و "جُريج" هي تعريب لكلمة "جورج". وابن جريج هو رجل
ثقة صدوق، إلا أنه حاطب ليل، ينقل الصحيح والضعيف بدون تمييز. كما أنه كثير
التدليس.
ابن إسحاق: من أئمة أهل
الشأن في معرفة السير. لكنه كان يكثر من التحديث والرواية عن الضعفاء والمجاهيل.
قال عنه ابن المديني: «ثقة، لم يضعه عندي إلا روايته عن أهل الكتاب». ومن عجائب
الإسرائيليات التي ينقلها ابن إسحاق ما رواه ابن جرير الطبري (15|42)، قال: حدثنا
ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن «أبي عتاب رجل من تغلب كان نصرانياً
عمراً من دهره ثم أسلم بعد فقرأ القرآن وفقه في الدين وكان فيما ذكر أنه كان
نصرانياً أربعين سنة ثم عمر في الإسلام أربعين سنة قال: ...». ومن ذلك (16|17):
حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة قال: ثنا محمد بن إسحاق قال: «ثني بعض من يسوق
أحاديث الأعاجم من أهل الكتاب ممن قد أسلم مما توارثوا من علم ذي القرنين (كذا!!)
أن...». ولك أن تتخيل وهاء ما ينقله هؤلاء عن الإسرائيليات.
- يروي عنه عدد
من الرواة مثل سلمة بن الفضل (ثقة عنه) ومثل يونس بن بكير (لا بأس به لكنه يدرج
كلام ابن إسحاق ويصله بمتن الحديث).
هؤلاء هم المصدر
الرئيسي لأكثر الإسرائيليات ولأكثر المنقول عن أهل الكتاب. وأكثرهم بلا أدنى ريب
هو كعب الأحبار ثم وهب بن منبه. وهؤلاء كلهم (يعني أهل الكتاب الذين نقل المفسرون
عنهم) كانوا يسكنون البادية مع العرب، ولا يعرفون من ذلك –ما عدا عبد الله بن
سلاَم t– إلا
ما تعرفه العامة من أهل الكتاب، ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك. فكم من
مقولة قيل أنها في الإسرائيليات أو في الإنجيل ولم نجدها. وقد يختلفون عليها
أيضاً. وقد تقدّم تكذيب عبد الله بن سلام t لكعب الأحبار، ثم تراجع كعب بعد
قراءته للتوراة. فهو غير ثقة حتى في نقله عن عقائد اليهود.
أما باقي الرواة فهم
نقلة عن غيرهم (وبخاصة عن هؤلاء). أعني ابن إسحاق وقتادة والسدي وسعيد وأمثالهم،
فهؤلاء نقلة عن غيرهم، وليس لديهم اطلاع مباشر على الإسرائيليات. وعامة من يروي
الإسرائيليات في التفسير هم ممن وصفوا بأنهم ينقلون الغث والسمين بغير تمييز. وقد
قال الشعبي عن قتادة: «حاطب ليل». وكان الحسن البصري أيضاً يصدّق كل من حدَّثه.
وكذلك ابن جريج وابن إسحاق يوصف كل منهما بأنه حاطب ليل. والسدي الكبير هو نفسه
متهم بالكذب، فضلاً عن روايته عن ضعفاء ومتروكين.
وشرح ابن خلدون في مقدمته
أسباب نقل المفسرين هذه الإسرائيليات فقال «والسبب هو أن العرب لم يكونوا أهل كتاب
ولا علم، وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية. وإذا تشوقوا إلى معرفة شيء مما تتشوق
إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجـود فإنما يسألون
أهل الكتاب قبلهم، ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من
النصارى. وأهل الكتاب الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلا ما
تعرفه العامة من أهل الكتاب، ومعظمهم من حِمْيَرَ الذين أخذوا بدين اليهودية. فلما
أسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي يحتاطون لها –
مثل أخبار بدء الخليقة، وما يرجع إلى الحدثان، والملاحم، وأمثال ذلك. وهؤلاء مثل:
كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام (أقول: ذكر عبد الله t هنا خطأ كما أوضحنا)،
وأمثالهم فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم. وفي أمثال هذه الأغراض أخبار
موقوفة عليهم وليست مما يرجع إلى الأحكام، فتتحرى فيها الصحة التي يجب بها العمل.
وتساهل المفسرون في مثل ذلك، وملئوا كتب التفسير بهذه المنقولات وأصلها، كما قلنا
عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية، ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك.
إلا أنه بَعُد صيتهم، وعظمت أقدارهم لما كانوا عليه من المقامات في الدين والملة،
فتلقيت بالقبول من يومئذ». مقدمة ابن خلدون ص 404 طبعة كتاب الشعب.
ونقل الصحابة عن
الإسرائيليات قليل جداً مقارنة بالتابعين وأتباع التابعين. ولم يثبت عن أُبَيّ بن
كعب t أنه روى شيئاً من
الإسرائيليات. وجاء عن عبد الله بن سلاّم t شيء قليلٌ جداً، وقد شهد له اليهود
قبل معرفتهم بإسلامه بأنه أعلمهم جميعاً. فهو أعرف الناس بما لم يُصبه التحريف من
الإسرائيليات، فلا خوف من نقله. وأكثر النقل عن أهل الكتاب هو عن كعب الأحبار ووهب
بن منبه. وكان عمر t شديداً على كعب الأحبار لئلا يحدث الناس بما يفتنهم. وكذلك كان
ابن مسعود t يحذو حذو عمر t في أعماله وأقواله، فلم يثبت عنه رواية شيء من الإسرائيليات.
والمروي عنه في ذلك إنما هو من طريق السدي الكذاب الكبير.
وما ثبت
كذلك رواية الإسرائيليات عن أحدٍ من كبار الصحابة أبداً، لكن جاء عن بعض صغارهم.
فأما عبد الله بن عمرو بن العاص
t فقد كان قد أصاب في اليرموك صحفاً من أهل الكتاب
أسماها بالزاملتين. فنقله صحيح عن أهل الكتاب، لكن مروياته في التفسير قليلة. وأبو
هريرة لم يحدث الكثير من التفسير، وكان يبين بوضوح ما ينقله عن كعب الأحبار، لكن
قد يغلط بعض الرواة عنه فلا يذكر ذلك، وهذا في كل حال نادر. وعبد الله بن عمر t ليس له –فيما
أعلم– إلا رواية واحدة عن كعب الأحبار. فبقي ابن عباس الذي كان مُكثراً في
التفسير، لكن ما رواه من الإسرائيليات قليل مقارنة مع مروياته الكثيرة. خاصة أنه
لم يرو في تفسير الطبري سوى ستة عشر رواية حسب إحصاء الدكتورة آمال محمد عبد
الرحمن في كتابها "الإسرائيليات في تفسير الطبري - دراسة في اللغة والمصادر
العبرية" (وهي دراسة ناقصة لا تشمل كل التفسير). ويظهر أن أكثرها –إن لم يكن
كلها– قد جاء بها من كعب الأحبار. ذلك الخبيث الذي ملئ كتب التفسير بخرافاته
اليهودية.
مناهج المفسرين في
التعامل مع الإسرائيليات
وقد اختلف منهج
المفسرين في تلقي هذه الإسرائيليات. فابن جرير الطبري قد ذكر الكثير منها دون أن
يتعقبها بما ينبغي. وفعل كذلك عدد من المفسرين كابن أبي حاتم ممن لم يكن لهم همٌّ
إلا الجمع فحسب دون التنقيح. أما المحققون فأكثرهم انتقدوا الإسرائيليات، لكنهم لم
يقدروا على التخلص من كلها، خاصة الذي اختلط بكلام الصحابة والتابعين، وصعب
تمييزه. ومن هؤلاء المفسر الإمام ابن كثير الدمشقي.
قال ابن كثير (ت
747هـ): «ثم ليعلم أن أكثر ما يتحدثون به غالبه كذب وبهتان، لأنه قد دخله تحريف
وتبديل وتغيير وتأويل. وما أقل الصدق فيه! ثم ما أقل فائدة كثير منه، لو كان
صحيحاً! قال ابن جرير: #213 حدثنا ابن بشار أبو عاصم أخبرنا سفيان عن سليمان ابن
عامر عن عمارة بن عمير عن حريث بن ظهير عن عبد الله –هو ابن مسعود– قال: "لا
تسألوا أهل الكتاب عن شيء. فإنهم لن يهدوكم وقد ضَلّوا. إما أن تُكَذِّبوا بحق، أو
تُصَدِّقوا بباطل. فإنه ليس أحدٌ من أهل الكتاب، إلا وفي قلبه تاليةٌ تدعوه إلى
دينه كتالية المال"». وكلام ابن مسعود
t صحيح تماماً. وقد سبق بيان أنه اتهم كعب الأحبار بأن
اليهودية ما تزال في قلبه.
و لعلّ من أشد الناس في
الرد على الإسرائيليات، هو الشوكاني الذي يندر جداً أن يوردها في تفسيره إلا
لينقدها ويفنّدها. وهو يرى أن رواية الإسرائيليات سبب للاضطراب في التفسير
والتناقض بين السلف، حيث تجد كل مفسر يقول بقولٍ مختلف. إذ أن المنقول عنهم متناقض
ويشتمل على مالا يعقل في الغالب، ومقصود بعض من أورد هذه المتناقضات هو التشكيك
على المسلمين والتلاعب بهم. كما أن تفصيل تلك القصص ومعرفة فصولها من التكلف
والفضول، ولهذا نهى الله عن سؤالنا أهل الكتاب عن تلك التفاصيل {ولا تستفت منهم
أحداً}. وكذلك يرى أن ما نُقِلَ في التفسير من قصص السابقين الغريبة إنما هو مأخوذ
عن بني إسرائيل وليس منقولاً عن النبي
r ولا هي من كلام الصحابة. وهو يرى عدم الترخص برواية
الإسرائيليات في التفسير. يقول رحمه الله: «فإن تَرَخَّصَ مُتَرَخِّصٍ بالرواية
عنهم لمثل ما روي "حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" فليس ذلك فيما يتعلق
في تفسير كتاب الله سبحانه بلا شك، بل فيما ذُكِرَ عنهم من القصص الواقعة لهم».
وعلى هذا النهج سار
الألوسي والسعدي في تفسيريهما. قال المفسر السعدي بعد تفسير الآية (74) من سورة
البقرة: «واعلم أن كثيراً من المفسرين رحمهم الله قد أكثروا في حشوا تفاسيرهم من
قصص بني إسرائيل، ونَزَّلوا عليها الآيات القرآنية، وجعلوها تفسيراً لكتاب الله،
محتجين بقوله r: "حَدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حَرَج". والذي أرى أنه –وإن
جاز نقل أحاديثهم على وجهٍ تكون مفردة غير مقرونة ولا مُنَزَّلَةٍ على كتاب الله–
فإنه لا يجوز جعلها تفسيراً لكتاب الله قطعاً إذا لم تصح عن رسول الله r. ذلك أن مرتبتها
كما قال r: "لا تُصدّقوا أهل الكتاب ولا تُكَذّبوهم". فإذا كان
مرتبتها أن تكون مشكوكاً فيها، وكان من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن القرآن
يجب الإيمان به، والقطع بألفاظه ومعانيه، فلا يجوز أن تجعل تلك القصص المنقولة
بالروايات المجهولة –التي يغلب على الظن كذبها أو كذب أكثرها– معاني لكتاب الله
مقطوعاً بها. ولا يستريب بهذا أحد. لكن بسبب الغفلة عن هذا، حصل ما حصل. والله
الموفق».
وكلامهما صحيحٌ رحمها
الله. فما حاجتنا إلى اللجوء إلى كتبٍ حُرّفَ أكثرها؟ بل قد يكون في نقل الصحيح
منها وإثباتها في التفسير، تزكيةٌ لذلك المصدر وتوثيقٌ له وتغريرٌ بالعامة
ليعتمدوا على إسرائيليات غيرها لم تثبت صحتها. فإن إيراد هذه الرواية في هذا
الموضع، يعني أنك تريد حمل الآية القرآنية عليها. وهذا يدل على تصديقك لها!
وهناك من يرى أن
الإسرائيليات دسيسٌ على الإسلام: قال: «إن الفتنة لم تدخل المسيحية إلا من طريق
رَجُلٍ (يهودي) قال أنه آمن بالمسيح... وإن الفتنة يجب أن تدخل الإسلام بنفس الوسيلة
وبنفس الطريق وعلى رجل يماثل بولس» (ولعله يقصد كعب الأحبار). ويرى أنها شر قال:
«وهكذا انفتح باب الإسرائيليات على مصراعيه أمام المسلمين، لينفتح به باب للشر لم
ينغلق. ولن ينغلق ما دام في هذه الدنيا مسلمٌ تغيب عن وَعْيِهِ تلك الحقائق التي
قدمناها». وقال: «دخلت شعوبٌ في الإسلام. ورأت مناسبةً بين الدين الجديد، وبعض ما
في دينهم. فذهبوا يُفسّرون الإسلام ويفهمونه على أساس تلك الموروثات المهجورة».
قلت: وأكثر ما نجد هذا عند الشيعة، حيث أدخل الفرس المعتقدات المجوسية، ليس في
التفسير فحسب، بل في العقيدة والفقه كذلك!
ويقول: «حكمت الدولة
العباسية، وهم سلالة عبد الله بن عباس، رائد الإسرائيليات في الإسلام. وظلت هذه
الدولة منذ قيامها بعد سقوط دولة بني أمية (132هـ) تعمل على تضخيم شخصية عبد الله،
ونسبة كافة المعارف إليه ورفع مقالاته إلى درجة التوثيق والتقديس التي للرسول r... وربما ادعوا أنه كان في
كل ما يقول يصدر عن علوم أو وصايا ورثها عن الرسول r. وكل ذلك باطل ولا ظل له من الحقيقة،
ولكنه صار عبئاً على الإسلام. ظل يعاني وسيظل يعاني منهم زمناً طولاً». وفيه كلامه
مبالغة.
يقول الشيخ أحمد شاكر
–رحمه الله– في "عمدة التفسير": «إن إباحة التحدث عنهم فيما ليس عندنا
دليل على صدقه ولا كذبه شيء، وذكر ذلك في تفسير القرآن وجعله قولاً أو رواية في
معنى الآيات أو في تعيين ما لم يعين فيها، أو في تفصيل ما أجمل فيها شيء آخر. لأن
في إثبات مثل ذلك بجوار كلام الله ما يوهم أن هذا الذي لا نعرف صدقه ولا كذبه
مُبَيِّن لمعنى قول الله سبحانه ومفصل لما أجمل فيه، وحاشا لله ولكتابه من ذلك.
وإن رسول الله r إذ أذن بالتحدث عنهم، أمرنا أن لا نصدقهم ولا نكذبهم. فأي
تصديق لرواياتهم وأقاويلهم أقوى من أن نقرنها بكتاب الله ونضعها منه موضع التفسير
والبيان؟!».
ثم قال:
«ومن أعظم الكلم في الدلالة على تنزيه القرآن العظيم عن هذه الأخبار الإسرائيلية،
كلمة لابن عباس رواها البخاري في "صحيحه" (#6929)، ونقلها عنه الحافظ
ابن كثير عند تفسير الآية (79) من سورة البقرة. قال ابن عباس: "كيف تسألون
أهل الكتاب عن شيء، وكتابكم الذي أنزل على رسول الله r أحدث؟ تقرؤونه محضاً لم يشب. وقد
حدثكم أن أهل الكتاب بدّلوا كتاب الله وغيّروه وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا {هو
من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً}. ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟
لا والله ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أنزل عليكم!". وهذه الموعظة
القوية الرائعة رواها البخاري في ثلاثة مواضع من صحيحه».
تعامل السلف مع
الإسرائيليات
على أن من يستقرئ
الإسرائيليات التي وردت عن السلف، سيجد الأمور الآتية:
1 ـ أنها أخبار
لا يُبنى عليها أحكام عملية.
2 ـ أنه لم يرد
عن السلف أنهم اعتمدوا حكماً شرعياً مأخوذاً من روايات بني إسرائيل.
3 ـ أنه لا يلزم
اعتقاد صحتها، بل هي مجرد خبر.
4 ـ أنَّ فيها
ما لم يثبت عن الصحابة، بل عن من دونهم.
إذاً كون الإسرائيليات
مصدرًا يستفيد منه المفسر في حال بيان معنى كلام الله لا يعني أن تقبلَ كلَّ ما
يُفسَّر به هذا من طريق هذا المصدر، فهذه الإسرائيليات كالتفسير باللغة، وليس كل
ما فسِّر به من جهة اللغة يكون صحيحًا، وكذلك الحال هنا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire